عنوان الفتوى : هل رياضة رماية القوس والسهم للمرأة تعد من التشبه بالرجال؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

للطبراني: " أن امرأة مرت على رسول الله صلى الله عليه وسلم متقلدة قوسا، فقال : (لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء)، فهل معنى متقلدة قوساً أي معها قوس وسهم؟ وهل يعني ذلك أن رياضة رماية السهام بالقوس للنساء محرمة؛ لأنها تعد تشبها للرجال؟ أفيدوني لأن لي رغبة في ممارسة تلك الرياضة في المنزل، أو في مكان مخصص فقط للنساء.

مدة قراءة الإجابة : 8 دقائق

الحمد لله.

أولاً:

حديث المرأة التي كانت متقلدة قوساً

روى الإمام أحمد (6875) عَنْ رَجُلٍ، مِنْ هُذَيْلٍ، قَالَ: "رَأَيْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَمَنْزِلُهُ فِي الْحِلِّ، وَمَسْجِدُهُ فِي الْحَرَمِ، قَالَ: فَبَيْنَا أَنَا عِنْدَهُ رَأَى أُمَّ سَعِيدٍ ابْنَةَ أَبِي جَهْلٍ مُتَقَلِّدَةً قَوْسًا، وَهِيَ تَمْشِي مِشْيَةَ الرَّجُلِ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: مَنْ هَذِهِ؟ قَالَ الْهُذَلِيُّ: فَقُلْتُ: هَذِهِ أُمُّ سَعِيدٍ بِنْتُ أَبِي جَهْلٍ.

فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِالرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ، وَلَا مَنْ تَشَبَّهَ بِالنِّسَاءِ مِنَ الرِّجَالِ).

قال الشيخ أحمد شاكر في تحقيق المسند: إسناده حسن.

وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط: "مرفوعه صحيح، وهذا إسناد ضعيف لجهالة حال عمر بن حوشب -كما ذكر ابنُ القطان، فيما نقله عنه الحافظ ابنُ حجر في "التهذيب"، والذهبي في "الميزان"، ووصفُ عبد الرزاق له بأنه رجل صالح: ليس توثيقاً له-، ولإبهام الرجل من هُذيل، وبقيةُ رجاله ثقات رجال الشيخين. عطاء: هو ابن أبي رباح.

وأخرجه أبو نُعيم في "الحلية" (3/321) من طريق الإمام أحمد، بهذا الإسناد، وقال: غريب من حديث عمرو عن عطاء، ولم نكتبه إلا من هذا الوجه. وتحرف في المطبوع عمر بن حوشب، إلى: عمرو.

وأخرجه العُقيلي في "الضعفاء" (2/232) من طريق عبد الرزاق، بهذا الإسناد.

وتحرف في المطبوع عمر بن حوشب، إلى: عمرو.

وأورده الهيثمي في "المجمع" (8 /102-103)، وقال: رواه أحمد، والهُذلي لم أعرفه، وبقية رجاله ثقات. ورواه الطبراني باختصار، وأسقط الهُذلى المبهم، فعلى هذا رجال الطبراني كلهم ثقات.

وأورده الحافظ ابن حجر في "الإصابة" مختصراً (في ترجمة أم سعيد بنت أبي جهل) ، ونسبه لأحمد والطبراني في "الكبير"، وقال: ورجاله ثقات إلا الهذلي فإنه لم يُسم.

وللمرفوع منه شاهد من حديث ابن عباس عند البخاري (5885)، سلف برقم (3151)، ولفظه: (لعن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال) انتهى من تحقيق المسند.

فإسناد القصة اختلف في صحته.

وأما رواية الطبراني، فقد روى في معجمه الأوسط (4003) قال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الرَّازِيُّ قَالَ: نا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُرَادِيُّ قَالَ: نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ الرَّصَاصِيُّ قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:" أَنَّ امْرَأَةً، مَرَّتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُتَقَلِّدَةً قَوْسًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَعَنَ اللَّهُ الْمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ، وَالْمُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ).

قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (8/103): "رواه الطبراني في الأوسط عن شيخه علي بن سعيد الرازي وهو لين، وبقية رجاله ثقات" انتهى.

ثانيا:

الضابط فيما يمنع من تشبه المرأة بالرجال 

المحرم في باب تشبه المرأة بالرجل: إنما هو تشبهها بالرجل فيما هو من خصائصه، فلا تلبس لباسا خاصا بالرجل ليس من المعتاد أن تلبسه المرأة، ولا تتكلم بهيئة الرجل في كلامه، ولا تمشيه بهيئته في مشيه، ونحو ذلك من كل ما يعرف أنه من خصائص الرجل، فليس للمرأة أن تفعله؛ بعكس ما كان مشتركا من الأحوال، والهيئات، أو الملابس، ونحو ذلك؛ فإنه لا يحرم عليها.

وهذه قاعدة الباب، غير أن تفاصيله، ليس لها أصل مطرد، فإن الأعراف تتغير في ذلك بتغير الأزمان، والبلدان، ونحو ذلك؛ فما كان خاصا بالرجال في زمان، مثلا، قد يتغير العرف به، ويشيع، ويصير مشتركا بين الجنسين، لا يختص بالرجل، فلا يحرم على المرأة حينئذ. وما يكون خاصا بأحد الجنسين في بلد ما ، قد لا يكون كذلك في غيره؛ فيراعى في ذلك الأعراف، وتفاوتها.

قال المناوي، رحمه الله: " (لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال) : فيما يُختص به ، من نحو لباس وزينة وكلام ، وغير ذلك . (والمتشبهين من الرجال بالنساء) كذلك . قال ابن جرير: فيحرم على الرجل لبس المقانع والخلاخل والقلائد ونحوها، والتخنث في الكلام والتأنث فيه، وما أشبهه، قال: ويحرم على الرجل لبس النعال الرقاق التي يقال لها الحذو، والمشي بها في المحافل والأسواق اه.

وما ذكره في النعال الرقيقة: لعله كان عرف زمنه من اختصاصها بالنساء ؛ أما اليوم فالعرف - كما ترى - : أنه لا اختصاص .

وقال ابن أبي جمرة: ظاهر اللفظ الزجر عن التشبه في كل شيء؛ لكن عرف من أدلة أخرى أن المراد التشبه في الزي، وبعض الصفات والحركات ونحوها؛ لا التشبه في الخير. وحكمة لعن من تشبه: إخراجه الشيء عن صفته التي وضعها عليه أحكم الحكماء" انتهى من "فيض القدير"(5/271).

والذي يظهر : أن التشبه بالرجال في هذا الحديث : إنما جاء من جهة تقلّد القوس، كما يتقلده الرجال، أو من المشي مِشيةَ الرجال، كما جاء في لفظ الحديث.

وأما مجرد تدرب المرأة على الرمي بالقوس، دون أن تمشي مشية الرجال، أو تلبسه وتتقلده كالرجال، فلا حرج فيه؛ لأن الأصل الإباحة.

قال ابن رسلان رحمه الله:

" قال أصحابنا [يعني: الشافعية]: ليس للمرأة لبس آلة الحرب بذهب أو فضة؛ لأن في استعمالهن ذلك تشبهًا بالرجال، وليس لهن التشبه بهم، قاله الجمهور، وإن جاز للنساء الحرب في الجملة.

قال الشاشي في "المعتمد": ملابس الرجال للنساء من باب الكراهة، دون التحريم ...

قال النووي في "الروضة": والصواب: أن تشبه النساء بالرجال وعكسه حرام؛ للحديث الصحيح". انتهى من "شرح سنن أبي داود" (16/355).

والحاصل:

أن ممارسة المرأة للعبة المذكورة، أو التدرب عليها: إذا كان في مكان تأمن فيه على نفسها من اطلاع الرجال، ولم تتدرب على ذلك بإشراف رجل أجنبي، ولم تتشبه بالرجل في شيء من لباسها، أو أفعالها: فلا حرج عليها في ذلك.

وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز، رحمه الله : " عن الرياضة بالنسبة للفتيات؟" .

فأجاب:

"الرياضة تختلف؛ كلمة مجملة؛ فالرياضة بين البنات في أشياء لا تخالف الشرع المطهر، بمشي كثير في محل خاص بهن لا يخالطهن فيه الرجال، ولا يطلع عليه الرجال، أو بسباحة عندهن في بيتهن أو في مدرستهن خاصة لا يراها الرجال ولا يتصل بها الرجال: لا يضر ذلك.

أما رياضة يحصل بها الاختلاط بين الرجال والنساء، أو يراها الرجال، أو تسبب شرًا على المسلمين: فلا تجوز، فلابد من التفصيل.

الرياضة التي تخص النساء ولا يكون فيها محذور شرعًا، وليس فيها اختلاط بالرجال بل في محل مستور، ومحل بعيد عن الخلطة فلا بأس بها، سواء كانت بالمشي أو بالسباحة ونحوها، نعم وهكذا بالمسابقة بينهن." انتهى، من موقع الشيخ ابن باز

وينظر التفصيل في: ضوابط ممارسة المرأة للرياضة  

والله أعلم.