عنوان الفتوى : هل تجوز العقيقة من الجار النصراني لولد جاره المسلم؟
هل يجوز للجار المسيحي أن يذبح عقيقة عن ابن جاره المسلم من باب الحب والمودة؟
الحمد لله.
عقيقة النصراني لشخص مسلم
هذه المسألة لها صورتان:
الصورة الأولى: أن يهدي هذا الكتابي قيمة العقيقة، أو كبشا حيا، إلى جاره المولود له.
فهدية الكافر للمسلم صحيحة، فقد قبل النبي صلى الله عليه وسلم هدايا بعض أهل الكفر.
كمثل ما ورد في حديث أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، قَالَ: "غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبُوكَ وَأَهْدَى مَلِكُ أَيْلَةَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَغْلَةً بَيْضَاءَ" رواه البخاري (3161)، ومسلم (1392).
وقد بوّب البخاري في صحيحه: "بَابُ قَبُولِ الهَدِيَّةِ مِنَ المُشْرِكِينَ.
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هَاجَرَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِسَارَةَ، فَدَخَلَ قَرْيَةً فِيهَا مَلِكٌ أَوْ جَبَّارٌ، فَقَالَ: أَعْطُوهَا آجَرَ [أي: هاجر وهي أم إسماعيل]" وَأُهْدِيَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاةٌ فِيهَا سُمٌّ، وَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ: أَهْدَى مَلِكُ أَيْلَةَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَغْلَةً بَيْضَاءَ، وَكَسَاهُ بُرْدًا، وَكَتَبَ لَهُ بِبَحْرِهِمْ " انتهى. "فتح الباري" (5 / 230).
فإذا قبض المسلم الهدية فقد أصبحت ملكا له؛ لأن الهدية سبب صحيح للتملك؛ فله أن يتصرف فيها بما يشاء.
فإذا قبض هذا المسلم الكبش من جاره النصراني كهدية، ثم ذبحه عقيقة، فيكون المسلم هو الذي عق، وليس الجار النصراني.
ذبح النصراني عقيقة لشخص مسلم
الصورة الثانية:
أن يقوم الجار النصراني بذبح كبش عن مولود جاره المسلم.
فالعقيقة عبادة مالية كالأضحية، تجوز فيها الوكالة والنيابة.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
"وتصح الوكالة في كل حق لله تدخله النيابة.
حق الله ينقسم إلى ثلاثة أقسام: قسم يدخله التوكيل مطلقا، وقسم لا يدخله مطلقا، وقسم فيه تفصيل.
القسم الأول: كل العبادات المالية تدخلها النيابة، كتفريق زكاة وصدقة وكفارة... " انتهى. "الشرح الممتع" (9 / 341).
فإذا أذن والد الطفل، فالعقيقة صحيحة إن كان النائب مسلما.
وأما إن كان كافرا ففيه خلاف. فذهب الجمهور إلى الصحة؛ لأن ذبيحة الكتابي تجوز لنا، فهو من أهل الذكاة.
جاء في "الموسوعة الفقهية الكويتية" (5 / 105 - 106):
"اتفق الفقهاء على أنه تصح النيابة في ذبح الأضحية إذا كان النائب مسلما...
والأفضل أن يذبح بنفسه إلا لضرورة. وذهب الجمهور إلى صحة التضحية، مع الكراهة، إذا كان النائب كتابيا، لأنه من أهل الذكاة.
وذهب المالكية - وهو قول محكي عن أحمد - إلى عدم صحة إنابته، فإن ذبح لم تقع التضحية وإن حل أكلها." انتهى.
ومن قال بعدم الصحة؛ فقد رأى أن هذا عبادة ونسك.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
"ليس المقصود من ذبح النسك - سواء كان عقيقة أو هديا أو أضحية - اللحم أو الانتفاع باللحم، فالانتفاع باللحم يأتي أمرا ثانويا.
المقصود بذلك هو: أن يتقرب الإنسان إلى الله بالذبح، هذا أهم شيء، أما اللحم فقد قال الله تعالى: (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ. " انتهى. "لقاء الباب المفتوح" (23 / 11 ترقيم الشاملة).
ومقتضى ذلك: أن العبادة والنسك لا تصح من كافر، لعدم توفر شرط الصحة وهو الإسلام.
لكن الذي يترجح أن توكيل الكتابي في ذبح النسك يجوز؛ لأن ذكاته جائزة، وهو مجرد وكيل ونائب، ولكن الأولى أن يتولى المسلم ذبح نسكه بنفسه.
قال ابن قدامة رحمه الله تعالى:
"يستحب أن لا يذبح الأضحية إلا مسلم؛ لأنها قُرْبَة، فلا يليها غير أهل القربة.
وإن استناب ذميا في ذبحها، جاز مع الكراهة. وهذا قول الشافعي، وأبي ثور، وابن المنذر.
وحكي عن أحمد، لا يجوز أن يذبحها إلا مسلم. وهذا قول مالك...
ولنا: أن من جاز له ذبح غير الأضحية، جاز له ذبح الأضحية، كالمسلم، ويجوز أن يتولى الكافر ما كان قربة للمسلم، كبناء المساجد والقناطر...
والمستحب أن يذبحها المسلم ليخرج من الخلاف. وإن ذبحها بيده كان أفضل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أقرنين أملحين، ذبحهما بيده...
ولأن فعله قربة، وفعل القربة أولى من استنابته فيها." انتهى، من "المغني" (13 / 389).
والله أعلم.
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |