عنوان الفتوى : صحة الإسناد ليست موجبة لصحة المتن
هل يمكن أن يصح سند الحديث ويضعف متنه؟ أم إذا صح السند صح المتن؟ أرجو ذكر أمثلة ـ إن وجدت ـ على تضعيف الحديث من متنه رغم صحة السند؟.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر علماء مصطلح الحديث أن بعض المحدثين قد يحكم على الحديث بصحة إسناده دون متنه، وإليك طرفا من تقريراتهم في ذلك: قال ابن الصلاح كما في مقدمته: قولهم: هذا حديث صحيح الإسناد، أو حسن الإسناد ـ دون قولهم: هذا حديث صحيح أو حديث حسن ـ لأنه قد يقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولا يصح، لكونه شاذا أو معللا. اهـ
إلا أن الحافظ ابن حجر كما في النكت على كتاب ابن الصلاح تعقبه: بأن هذا لا يطرد مع كل محدث، بل يحتاج إلى استقراء طريقة كل محدث والنظر فيها. اهـ
وقال السخاوي في فتح المغيث: قد يصح السند أو يحسن لاستجماع شروطه من الاتصال، والعدالة، والضبط دون المتن لشذوذ أو علة.... اهـ
وقال ابن القيم كما في الفروسية: وقد عُلِم أن صحة الإسناد شرط من شروط صحة الحديث وليست موجبة لصحة الحديث، فإن الحديث الصحيح إنما يصح بمجموع أمور منها: صحة سنده، وانتفاء علته، وعدم شذوذه ونكارته، وألاَّ يكون راويه قد خالف الثقات أو شذ عنهم. اهـ
ومن أمثلة ذلك: ما أخرجه الحاكم والبيهقي من طريق شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي الضحى عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ في قوله عز وجل: سبع سماوات ومن الأرض مثلهن {لطلاق: 12} قال: في كل أرض نحو إبراهيم.
قال السيوطي معلقا على هذا الأثر كما في الحاوي: هذا الحديث رواه الحاكم في المستدرك وقال: صحيح الإسناد، ورواه البيهقي في شعب الإيمان وقال: إسناده صحيح، ولكنه شاذ بمرة، وهذا الكلام من البيهقي في غاية الحسن، فإنه لا يلزم من صحة الإسناد صحة المتن كما تقرر في علوم الحديث، لاحتمال أن يصح الإسناد ويكون في المتن شذوذ أو علة تمنع صحته، وإذا تبين ضعف الحديث أغنى ذلك عن تأويله، لأن مثل هذا المقام لا تقبل فيه الأحاديث الضعيفة. انتهى.
والله أعلم.