عنوان الفتوى : هل يصح تفسير الرب بالمربي؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

هل يمكن تفسير كلمة "ربِّ" في القران بأن الله هو المربي للعالمين وبأن نقول أنها تعني التربية وذلك كما جاء في تفسير السعدي،أم أن هذا التفسير هو تفسير آخر بالاضافة لتفسير كلمة رب بالمالك أو السيد أو المدبر؟

مدة قراءة الإجابة : 5 دقائق

الحمد لله.

أولًا:

معنى الرب في اللغة

"الرب" يأتي في اللغة لمعان متعددة، منها:

  1. المربي، ويشمل الإصلاح والرعاية.
  2. المالك.
  3. السيد.

ويطلق على غيرها من المعاني، وهو شامل لهذه المعاني، يقول د. محمد جبل، رحمه الله:

"والرَبُّ - بالفتح: المربِّى (فَعْل بمعنى فاعِل- ويشمل الإصلاح والرعاية)، والمالكُ، والسيدُ (ممسك بالشيء، جامع له عنده، كما يقال مَلِك من مَلْك الشيء: الإمساك به)، اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ [يوسف: 42]، كما يطلق على المدبِّر، والقيِّم، والمُنْعِم؛ من معنى الجمع في صورة حَوْزٍ مع الإصلاح.

ووصفه عز وجل بالرَبِّ يشملُ كل هذه المعاني، فهو المنشئ بدءًا والمربِّي، والمنعِمُ، والمالِك الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالمِينَ.

والجمهور الأعظم من التركيب في القرآن هو (ربّ) بهذا المعنى: قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ [الأنعام: 164]، وجمعه أرباب: أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ [يوسف: 39]، إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ [يوسف: 23]، (الخلاف في المراد.. أَهُو الله عز وجل -وهو الأليق به صلى الله عليه وعلى نبينا وسلم، أم سيده الذي اشتراه، وهما من المِلْك أو السيادة وتبعاتهما؟ وليس الخلاف في المعنى.

ورَبَبْتُ القومَ: سُسْتهم، (فهذان من السيادة الرياسة، وهي إمساك)." انتهى من "المعجم الاشتقاقي المؤصل" (2/ 739). 

وانظر: "الصحاح" (1/ 130)، "لسان العرب" (1/ 401)، "تاج العروس" (2/ 465).

ثانيًا:

تفسير "الرب" بمعنى بالمربي، ذكره كثير من أهل التفسير

ما ذكره الشيخ "السعدي" في تفسير معنى "الرب" بالمربي، مسبوق فيه رحمه الله، فقد ذكر هذا المعنى كثير من أهل التفسير.

وهذا المعنى أحد معاني كلمة "رب" في القرآن، كما تقدم، وهو شامل لكل المعاني التي سبق ذكرها، ويمكن أن يحدد بعض أهل التفسير المعنى في سياق معين.

قال السعدي: "رَبِّ الْعَالَمِينَ الرب، هو المربي جميع العالمين -وهم من سوى الله- بخلقه إياهم، وإعداده لهم الآلات، وإنعامه عليهم بالنعم العظيمة، التي لو فقدوها، لم يمكن لهم البقاء. فما بهم من نعمة، فمنه تعالى.

وتربيته تعالى لخلقه نوعان: عامة، وخاصة.

فالعامة: هي خلقه للمخلوقين، ورزقهم، وهدايتهم لما فيه مصالحهم، التي فيها بقاؤهم في الدنيا.

والخاصة: تربيته لأوليائه، فيربيهم بالإيمان، ويوفقهم له، ويكمله لهم، ويدفع عنهم الصوارف والعوائق الحائلة بينهم وبينه. وحقيقتها: تربية التوفيق لكل خير، والعصمة عن كل شر. ولعل هذا [المعنى] هو السر في كون أكثر أدعية الأنبياء بلفظ الرب؛ فإن مطالبهم كلها داخلة تحت ربوبيته الخاصة.

فدل قوله رَبِّ الْعَالَمِينَ على انفراده بالخلق والتدبير، والنعم، وكمال غناه، وتمام فقر العالمين إليه، بكل وجه واعتبار"، انتهى، "التفسير" (39).

قال الثعلبي في "الكشف والبيان" (2/ 385): "ويكون بمعنى المربِّي. تقول العرب: ربَّ يربُّ ربابةً وربوبًا، فهو ربٌّ، مثلَ: برَّ وطَبَّ.

قال الشاعر:

يَرُبُّ الذي يَأْتِي مِنَ الخَيْرِ، إنَّهُ... إذا فَعَلَ المَعْرُوفَ زَادَ وَتَمَّمَا". انتهى.

وذكره الرازي في "تفسيره" (8/ 213)، والقرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (1/ 136 - 137).

وقال "ابن تيمية": "و "الرَّبُّ" هُوَ الْمُرَبِّي الْخَالِقُ الرَّازِقُ النَّاصِرُ الْهَادِي. وَهَذَا الِاسْمُ أَحَقُّ بِاسْمِ الِاسْتِعَانَةِ وَالْمَسْأَلَةِ. وَلِهَذَا يُقَالُ: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ رَبِّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا؛ فَعَامَّةُ الْمَسْأَلَةِ وَالِاسْتِعَانَةُ الْمَشْرُوعَةُ بِاسْمِ الرَّبِّ.

فَالِاسْمُ الْأَوَّلُ [الله]: يَتَضَمَّنُ غَايَةَ الْعَبْدِ وَمَصِيرَهُ وَمُنْتَهَاهُ وَمَا خُلِقَ لَهُ، وَمَا فِيهِ صَلَاحُهُ وَكَمَالُهُ، وَهُوَ عِبَادَةُ اللَّهِ.

وَالِاسْمُ الثَّانِي: يَتَضَمَّنُ خَلْقَ الْعَبْدِ وَمُبْتَدَاهُ، وَهُوَ أَنَّهُ يُرَبِّهِ وَيَتَوَلَّاهُ.

مَعَ أَنَّ الثَّانِيَ يَدْخُلُ فِي الْأَوَّلِ دُخُولَ الرُّبُوبِيَّةِ فِي الْإِلَهِيَّةِ، وَالرُّبُوبِيَّةُ تَسْتَلْزِمُ الْأُلُوهِيَّةَ أَيْضًا"، انتهى، "مجموع الفتاوى" (14/ 13).

والله أعلم.

أسئلة متعلقة أخري
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي...