عنوان الفتوى : الجن مكلفون مثل الإنس
الحمد لله رب العالمين والصلاة على رسوله الأمين وعلى أصحابه أجمعين أما بعد: إني أحبكم في الله وسؤالي هو عن قول الله تعالى: (إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان...) [الأحزاب: 72]. أقول الجمهور قالوا الأمانة هي التكاليف ولكن لو كانت الآية تعني التكاليف لذكر الجن الخلق المكلفين ولو كانت تعني الإيمان والاختيار فالجن مشتركون معنا في هذا خاصة وإن الآية فصلت حتى إنها ذكرت الجبال رغم تابعية الجبال للأرض ثم إن الآية حددت من حَمَل الأمانة قالت: الإنسان، ولم تقل الجان. فما التوجيه؟ ولقد رجعت إلى أمهات الكتب. ولم أجد علماءنا قد وقفوا على هذا
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم وبعد: اعلم أخي الكريم الموفق أنه لا بد للناظر في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأخذ العظة والعبرة منهما أن يكون صاحب فهم ومعرفة وعليه أن لا يقتصر على نصٍ يستشكله، ويترك نصوصاً أخرى. فإذا لم تكن الآية التي ذكرتها فيها بيان تكليف الجن فأين أنت من الآيات الأخرى التي ذكر الله فيها أن الجن مكلفون؟. كقوله سبحانه: (وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي وَلَّوْا إلى قومهم منذرين * قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقاً لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم * يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم * ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجزٍ في الأرض وليس له من دونه أولياء أولئك في ضلال مبين) [الأحقاف : 29، 32] واقرأ كذلك يا أخي أول الآيات في سورة الجن وإن شاء الله يزول الإشكال عليك كما أنصحك بتفسير ابن كثير عند تفسير قوله تعالى: (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين) [البقرة: 34]. وفقك الله وزادك حرصاً. ثم بعد هذا كله عليك أن تعلم أن لفظ "حملها الإنسان" ليس من صيغ الحصر التي تعني أنه لا يوجد لها متحمل إلا الإنسان لو قال: (ولم يحملها إلا الإنسان) لكان لاستشكالك حظ من النظر حتى يبحث له عن جواب ثم إن الجن قد لا تكون عرضت عليهم أصلا بل حملوها بغير عرض والله جل وعلا له أن يكلف المخلوق قبل أن يأخذ رأيه فهو لا يسأل عما يفعل وهم يسألون. هذا والله أعلم