عنوان الفتوى : قول بعض المعاصرين أن بعض تصرفات عثمان كانت سببا للفتنة؟

مدة قراءة السؤال : دقيقتان

هل يصح القول بأن عثمان رضي الله عنه قد يكون له جزء من مسؤولية الفتنة كما قال أحد أساتذة التاريخ؟ مستشهاداً بقول ابن تيمية:" وكان عثمان في السنين الأول من ولايته لا ينقمون منه شيئا، ولما كانت السنين الآخرة نقموا منه أشياء، بعضها هم معذورون فيه، وكثير منها كان عثمان هو المعذور فيه"، وأنه يجب أن تدرس جميع الأسباب الداخلية متضافرة لا أن يعتمد ذلك كله بـ نظرية المؤامرة كسبب أساسي، وقد ذكر من مبررات معاوية رضي الله تعالى عنه في نقل الخلافة لابنه أنه استجاب لضغوط بني أمية، مستشهداً بقول ابن خلدون:" ثمّ اقتضت طبيعة الملك الانفراد بالمجد واستئثار الواحد به ولم يكن لمعاوية أن يدفع عن نفسه وقومه". أنا ليست لدي مشكلة في تجاهل ماقاله، لكن ما مكانة هذا الاستشهاد من أئمة كابن تيمية؟ أنا أول ما ابتدأت بدراسة السيرة من "سيرة ابن هشام" مهذبة، وتوقفت فيها إلى وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا أعلم حقيقة ما كان في زمن الخلفاء، أتمنى مصادر عن السيرة تعنى بالتفاصيل بأسانيد معتبرة، لأني بصدد الرد على الشبهات. ولو استطعتم مأجورين كتبا تهتم بالتاريخ بتسلسل، وتدرج إلى زمننا هذا.

مدة قراءة الإجابة : 5 دقائق

الحمد لله.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" وكان عثمان في السنين الأول من ولايته لا ينقمون منه شيئا، ولما كانت السنين الآخرة نقموا منه أشياء، بعضها هم معذورون فيه، وكثير منها كان عثمان هو المعذور فيه " انتهى من "منهاج السنة" (6/252).

وهذا الكلام ليس فيه أي دلالة على تحميل عثمان رضي الله عنه مسؤولية مقتله، أو أنه متسبب في ذلك؛ لأمرين:

الأمر الأول:

سياق كلام ابن تيمية رحمه الله تعالى هو عن الخلاف بين عثمان وبعض الصحابة رضوان الله عليهم؛ ولا شك أن جنس الخلاف الحاصل بينهم؛ يختلف عن جنس الخلاف الذي أظهره أهل الفتنة الذين قدموا عليه في المدينة وحاصروه ثم قتلوه، ولهذا قال شيخ الإسلام، في وضوح بالغ عن هؤلاء الذين أثاروا الفتنة:

" وأما الساعون في قتله فكلهم مخطئون، بل ظالمون باغون معتدون. وإن قدر أن فيهم من قد يغفر الله له، فهذا لا يمنع كون عثمان قتل مظلوما" انتهى من "منهاج السنة" (6/297).

الأمر الثاني:

أنه رحمه الله تعالى مقر بأن الخلاف ليس مبررا للقتل والخروج عليه؛ لأن عثمان رضي الله عنه ما صدر منه كان على وجه الاجتهاد لا البغي والظلم، ومثل هذا لا يعد سببا للفتنة.

حيث قال رحمه الله تعالى:

" فما من شيء أُنكر عليه إلا وقد وافقه عليه كثير من المسلمين، بل من علمائهم الذين لا يُتهمون بمداهنة، والذين وافقوا عثمان على ما أُنكر عليه، أكثر وأفضل عند المسلمين من الذين وافقوا عليا على ما أنكر عليه: إما في كل الأمور، وإما في غالبها.

وبعض المسلمين أنكر عليه بعض الأمور، وكثير من ذلك يكون الصواب فيه مع عثمان، وبعضه يكون فيه مجتهدا، ومنه ما يكون المخالف له مجتهدا: إما مصيبا وإما مخطئا " انتهى من "منهاج السنة" (6/ 296-297).

ثم إن عثمان رضي الله عنه قد شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم أنه مظلوم، لا سبب فتنة، كما في حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَا عُثْمَانُ، إِنَّهُ لَعَلَّ اللَّهَ يُقَمِّصُكَ قَمِيصًا، فَإِنْ أَرَادُوكَ عَلَى خَلْعِهِ فَلَا تَخْلَعْهُ لَهُمْ.

رواه الإمام أحمد في "المسند" (41/113)، والترمذي (3705)، وقال " هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ "، وصححه الشيخ الألباني في "صحيح سنن الترمذي" (3/517)، وكذا محققو المسند.

والقميص هنا كناية عن الخلافة كما نص أهل العلم.

قال ابن الملك رحمه الله تعالى:

" أي: يُلبسك قميصا، أراد منه الخلافة هنا.

(فإن أرادوك على خَلعه فلا تخلَعْه لهم)؛ يعني: إن الله تعالى سيجعلك خليفة، فإن النّاس إنْ قصدوا عزلك عنها، فلا تعزِل نفسك عنها لأجلهم، فلهذا كان عثمان ما عزل نفسه حين حاصروه يوم الدار" انتهى من"شرح مصابيح السنة"(6/433).

ومن الكتب النافعة المفيدة التي خصصت لدراسة فتنة مقتل عثمان رضي الله عنها، كتاب: "فتنة مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه" لمحمد بن عبد الله بن عبد القادر غبان.

وكتاب "تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة" للدكتور محمد أمحزون.

ومن كتب التاريخ المفيدة في دراسة عصر الخلفاء الراشدين، كتاب: "عصر الخلافة الراشدة محاولة لنقد الرواية التاريخية وفق منهج المحدثين" للدكتور أكرم ضياء العمري.

وأما الكتب المخصصة لدراسة التاريخ الإسلامي من عهد النبوة إلى عصرنا.

فهناك كتاب "التاريخ الإسلامي" لمحمود شاكر.

و"موسوعة التاريخ الإسلامي" لعدد من الباحثين.

ولمزيد الفائدة تحسن مطالعة جواب السؤال رقم: (105660).

وأما الرد على الشبهات، فلا ننصحك بالانشغال بذلك أيتها الأخت الكريمة، فليس ذلك مناسبا لسنك الصغيرة، ولا لقلة خبرتك بالباب، ورسوخك في الأدوات المؤهلة له، ولم يأمرك الله بمثل ذلك، بل انشغلي بتعلم أمر دينك، وحفظ كتاب ربك، وتعلم سنة نبيك، واقرئي السيرة النبوية، وكتب التراجم العظيمة للصحابة والسلف الصالح، مثل كتاب "الإصابة في تمييز الصحابة" لابن حجر، و"البداية والنهاية" لابن كثير، و"سير أعلام النبلاء" للذهبي، ودعي رد الشبهات لأهله، ولا تسمعي لهم شبهة، ولا تدخلي على مواضع المضلين والفاتنين، فذلك أسلم لقلبك ودينك؛ والعبد الناصح إنما يرجو نجاة نفسه؛ لا أن يوردها الموارد.

والله أعلم.