عنوان الفتوى : ما حكم قول يا صلاة النبي، عند الإعجاب بشيء؟
ما حكم قول يا صلاتي على النبي عند التعجب أو الإعجاب؟ وهل تعتبر هذه الياء ياء تعجب أم دعاء؟
الحمد لله.
قول بعض الناس إذا أعجبه شيء: "يا صلاة النبي" : لا حرج فيه، وكرهه جماعة من أهل العلم كما سيأتي، وليس هو من الدعاء أو الاستغاثة الممنوعة، وكذا لو قيل: "يا صلاة على النبي"،
وقد كره جماعة من العلماء الإتيان بالصلاة عليه في هذا المقام.
قال القاضي عياض رحمه الله في "الشفا" (2/ 66): " وكره سَحنون الصلاة عليه عند التعجب، وقال: لا يصلى عليه إلا على طريق الاحتساب وطلب الثواب" انتهى.
وقال النفراوي: " وتكره عند التعجب والذبح والعطاس ، وعند البيع وفي الحمام وفي الخلاء وعند الجماع، وكذا كل موضع قذر، ممن نص على كراهة الصلاة عند التعجب سحنون...
ويلحق بالتعجب: الصلاة عليه عند الغضب، كأن يقال له عند الغضب: صل على محمد، خوفا من أن يحمله الغضب على الكفر، كما حكاه النووي في الأذكار عن بعضهم وأقره" انتهى من "الفواكه الدواني" (2/ 359).
والشرك يكون بدعاء غير الله، والدعاء طلب جلب النفع أو دفع الضرر، كأن يقول: يا رسول الله المدد أو أعني أو أغثني، أو يقول: يا رسول الله، في الشدة ونحوها قاصدا الاستغاثة به.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : بعض الناس عند الشدة : "يا محمد أو يا علي ، أو يا جيلاني" فما الحكم ؟
فأجاب: "إذا كان يريد دعاء هؤلاء والاستغاثة بهم فهو مشرك شركاً أكبر مخرجاً عن الملة ، فعليه أن يتوب إلى الله عز وجل وأن يدعو الله وحده ، كما قال تعالى : ( أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ) النمل/62 ، وهو مع كونه مشركاً ، سفيه مضيع لنفسه ، قال الله تعالى : (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ) . وقال : (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ)" انتهى من "فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (2/133) .
أما إذا لم يرد الدعاء والطلب، كأن يريد استحضار صورته وتذكره، كما لو قرأ حديثا فقال: صلى الله عليك يا رسول الله، أو ما أعظم وأجمل كلامك يا رسول الله، فهذا لا شيء فيه.
والظاهر ممن يقول هذا عند التعجب: أن الشيء الحسن المعجِب، يذكره بجمال الحبيب صلى الله عليه وسلم، فيصلي عليه لأجل ذلك، أو لأجل الإشارة إلى أن جماله، صلى الله عليه وسلم: أحلى وأعجب من هذا الشيء الحسن.
وعلى كل حال؛ فالذي ينبغي أن يعلّم هؤلاء: أن السنة في هذا المقام هي التبريك، أي الدعاء بالبركة، كما روى ابن ماجه (3509) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مِنْ أَخِيهِ مَا يُعْجِبُهُ فَلْيَدْعُ لَهُ بِالْبَرَكَةِ .
وتمام الحديث كما عند أحمد (15550)، وابن ماجه (3509) عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ : " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ ، وَسَارُوا مَعَهُ نَحْوَ مَكَّةَ ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِشِعْبِ الْخَزَّارِ مِنْ الْجُحْفَةِ ، اغْتَسَلَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ ، وَكَانَ رَجُلًا أَبْيَضَ حَسَنَ الْجِسْمِ وَالْجِلْدِ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ، أَخُو بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَهُوَ يَغْتَسِلُ ، فَقَالَ : مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ وَلَا جِلْدَ مُخَبَّأَةٍ !! فَلُبِطَ سَهْلٌ .
فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقِيلَ لَهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَلْ لَكَ فِي سَهْلٍ ؛ وَاللَّهِ مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَمَا يُفِيقُ ؟
قَالَ : هَلْ تَتَّهِمُونَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ؟
قَالُوا : نَظَرَ إِلَيْهِ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ .
فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامِرًا فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِ ، وَقَالَ: عَلَامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ هَلَّا إِذَا رَأَيْتَ مَا يُعْجِبُكَ بَرَّكْتَ.
ثُمَّ قَالَ لَهُ: اغْتَسِلْ لَهُ ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمِرْفَقَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَأَطْرَافَ رِجْلَيْهِ وَدَاخِلَةَ إِزَارِهِ فِي قَدَحٍ، ثُمَّ صُبَّ ذَلِكَ الْمَاءُ عَلَيْهِ ، يَصُبُّهُ رَجُلٌ عَلَى رَأْسِهِ وَظَهْرِهِ مِنْ خَلْفِهِ ، يُكْفِئُ الْقَدَحَ وَرَاءَهُ ؛ فَفَعَلَ بِهِ ذَلِكَ ، فَرَاحَ سَهْلٌ مَعَ النَّاسِ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ ".
والحديث صححه الألباني في "صحيح ابن ماجه".
والحاصل:
أنه ليس من السنة أن يؤتى بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند رؤية ما يعجب منه، وإنما يدعى بالبركة.
لكن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، وإن لم تكن من السنة الواردة؛ إلا أنها مباحة، لا كراهة فيها، على ما قدمنا .
قال السيوطي، رحمه الله، في نهاية كلام له في تقرير ذلك: " فصل القول في ذلك : أن الصلاة عند التعجب لا تكره ، لعدم النهي. ولا تستحب، لعدم دليل على طلبها حينئذ؛ بل هي من الأمور المباحة .. " انتهى من "الحاوي للفتاوي" (1/300).
والله أعلم.
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |