عنوان الفتوى : لا يصح مساواة الإسلام بغيره من الأديان
من المستحيل أن تنصحني بأن لا أقرأ عن أي ديانة أخرى مثل البوذية، أو أي دين غير الإسلام. فلماذا إذن يطلب من الكفار بالدين الإسلامي أن يفعلوا ذلك، ويؤمنوا، ولو لم يؤمنوا يكونون كفارا. إذا كان شخص صالحا، وله أعمال صالحة، ويعيش في أي دولة بعيدة عن الإسلام، والسياسة، ولم يفكر في أن يقرأ عن أي دين، سمع عن الإسلام مثل ما سمعنا نحن عن ديانات كثيرة، لكنه بعيد تماما عن الموضوع، مثل ديانات شرق آسيا بالنسبة لنا، إذا سمع شخص أنه توجد ديانات أخرى، مثل أنه توجد ديانة إسلامية، ويهودية، وأي ديانة أخرى، ومات وهو صالح، لكنه غير مسلم، سيحاسب أيضا، مثل الذي عرف عن الإسلام، وكفر به؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فهذا الإشكال إنما يصح إيراد أصله، إن كان اليقين والطمأنينة، وانشراح الصدر لصحة الديانة عند المسلم وغيره، سواء!! وهذا لا يمكن في الواقع، فليس عند أحد من الخلق برهان قائم، على أن لديهم وحيا متصلا بالله تعالى، سوى المسلمين، الذين حفظ الله لهم كتابهم، وجعله حجة لهم على سائر الناس، وأحياهم به، وأخرجهم من الظلمات إلى النور، كما قال تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 122] وقال عز وجل: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ* وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ} [الأنعام: 125، 126] وقال سبحانه: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ* اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الزمر: 22، 23].
ولذلك ترى كثيرا من أهل العلم والفهم، والتخصص الدقيق من غير المسلمين، يدخلون في دين الله تعالى طائعين راغبين، رغم ما يصيبهم في سبيل ذلك من ضرر مبين في معايشهم. في حين لا تكاد ترى مثل ذلك في المسلمين برغم ما هم فيه من بلاء بسبب دينهم. وقد قرر هذه الحقيقة أحد عقلاء ملوك الروم وهو هرقل، عندما سأل أبا سفيان: هل يرتد أحد منهم -يعني أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم- سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ فقال: لا. فقال هرقل في بيان ذلك: وسألتك: أيرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ فذكرت أن لا، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب. رواه البخاري وغيره، وانظر الحديث بطوله في الفتوى رقم: 61873.
والمقصود أن التسوية بين الإسلام الذي هو الحق، وبين غيره الباطل، حكم جائر، وتعسف بغيض! وكذلك من ولد على الإسلام وترعرع فيه، ومن ولد على غيره ونشأ عليه: لا يستويان؛ ففي قلب الكافر لوعة وخلة، لا يسدها إلا الإيمان الحق؛ لأن دينه لا يستقيم مع الفطرة السليمة، ولا العقول الصحيحة، ولذلك فهو متهيئ لقبول الحق. وأما المؤمن فدينه يوافق الفطرة والعقل، فهو متهيئ للثبات عليه، ورفض ما سواه.
وأما من سمع بالإسلام من غير المسلمين، فلم يسلم، فهم أصناف وأنواع، ولكل نوع حكمه من حيث قيام الحجة عليه، والنجاة في الآخرة، فليسوا سواءً، وقد سبق لنا بيان ذلك، في الفتاوى التالية أرقامها: 158921، 298303، 156611.
والله أعلم.