عنوان الفتوى : المراد من الإضلال المنسوب لله تعالى
كنت قد أرسلت لكم سؤالًا، وقلت فيه: من المعلوم أن الله لا يحث عبدًا على فعل السيئ، وأخبرتموني أن الحضّ والحثّ من الألفاظ المجملة التي لم ترد عن السلف، ومن القواعد الكف عن التكلم في حق الله بما لم يرد في النصوص، ولكني حينما قلت كلامي لم يكن من تلقاء نفسي، وإنما هو كلام موقع الإسلام سؤال وجواب. كنت قد أرسلت لهم سؤالًا عن معنى إضلال الله للعبد، وكان ردهم كالآتي: "إذا قصدت – أخانا السائل – بكلمة (الإضلال) في سؤالك: الإيعاد بالشر، والوسوسة بالباطل، والحض والحث والإزعاج على فعل السيئ، وتسويل المعصية للنفس، فهذا لا ينسب لله سبحانه، ولا يجوز أن نقول: إنه يصدر عن الله، بدليل الآيات الكريمات التي تدل على أن الله لا يأمر إلا بالخير، ولا يحب إلا الهداية، ونعتقد أن هذا واضح لا يشك فيه أحد من المسلمين، فالله سبحانه يدعو العباد إلى الخير، ويطلب منهم الطاعة والصلاح. أما الإضلال بمعنى الترغيب بالشر، فهذا من النفس، والشيطان، ولا يكون من الله عز وجل بحال من الأحوال؛ ولهذا قال تعالى: (وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ) [يس:62] يعني الشيطان. فالله سبحانه وتعالى لا يأمر بالفحشاء، ولا يحض إلا على الخير، يقول الله عز وجل: (قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ . قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ) [الأعراف: 28، 29]، ويقول سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل:90] وأما الشيطان فهو الذي يعد بالشر، ويأمر بالسوء، كما قال تعالى: (وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) [النور:21]، وقال عز وجل: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [البقرة:268] الثاني: أما إذا قصدت بكلمة (الإضلال) خلق فعل الضلال، فهذا لا حرج في نسبته إلى الله سبحانه، فالله عز وجل خلق أفعال العباد المتضمنة لجميع الحركات والسكنات، سواء أدت إلى فعل الخير أم إلى فعل الشر، وهو عز وجل خالق كل شيء، كما قال: (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) [غافر:62]، والله سبحانه يخلق ما يحب ويرضى، ويخلق ما لا يحب ولا ويرضى، من الشر أو الكفر أو الظلم، وإذا خلقه وقدره في أفعال العباد؛ فإنه سبحانه في الوقت نفسه ينهى عنه، ويبغضه، ويحذر منه، ويكرِّه النفوس إليه بآياته وفطرته." وأنا لا أعرف هل أصدق كلامهم الذي نقلته لكم؟ وهل كلامهم صحيح أم خاطئ؟ لأني أريد أن أعرف هل فعلًا الله لا يحضّ إلا على الخير، وأن الحضّ والحثّ والإزعاج على فعل السيئ لا يجوز أن ننسبه لله أم لا؟ أنا يهمني الجواب عن ذلك
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فليس هنا تعارض بين ما نقله السائل، وبين ما سبق أن ذكرناه له في عدة فتاوى، ففي فتواك السابقة برقم: 320881 قلنا: "الحث لفظ مجمل، إن أردت به أن الله جل وعلا لا يحب ذلك ولا يرضاه، ولا يأمر به أمرًا شرعيًّا، فهذا صحيح، وأما إن أردت أن الله لا يخلق ذلك، ولا يقدره كونًا، فهذا غير صحيح".
وكذلك الحال في فتواك رقم: 320797. ولكن زدناك التنبيه على أن "الحث والتحريض من الألفاظ المجملة التي لم ترد النصوص بها فيما نعلم، ومن القواعد الكلية: الكف عن التكلم في حق الله جل وعلا بما لم يرد في النصوص من الألفاظ المجملة نفيًا أو إثباتًا".
ثم نقلنا لك من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية ما يبين ذلك، وهو يتوافق أيضًا مع ما نقلته عن موقع الإسلام سؤال وجواب، فإنهم فصلوا في معنى كلامك أنت وما تريده من الإضلال المنسوب لله تعالى؛ لأنه يحتمل حقًّا وباطلً، فكان لا بد من التفصيل، وهذا هو عين ما نقلناه عن شيخ الإسلام حيث يقول: الألفاظ التي ليست في الكتاب والسنة، ولا اتفق السلف على إثباتها ونفيها، فهذه ليس على أحدٍ أن يوافق من نفاها أو أثبتها حتى يستفسر عن مراده، فإن أراد بها معنى يوافق خبر الرسول، أقرّ به، وإن أراد بها معنىً يخالف الرسول أنكره، ثم التعبير عن تلك المعاني إن كان في ألفاظه اشتباه، أو إجمال عبر بغيرها، أو بين مرادها، بحيث يحصل تعريف الحق بالوجه الشرعي. اهـ.
والله أعلم.