عنوان الفتوى : حكم السهر للمذاكرة وقراءة القرآن إن كان يُضيِّع صلاة الصبح أحيانا
من المعروف أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن السمر بعد العشاء، لما فيه من التأخر عن صلاة الصبح وعدم قيام الليل وغير ذلك من الأمور، وحكمه الكراهة، لكن هناك من العلماء مثل ابن عثيمين واللجنة الدائمة من يقول إن ما لا يتم الواجب به فهو واجب، ويجب أخذ المنبه أو توكيل من يوقظك لصلاة الفجر وأن تنام مبكرا، وكما في فتاويكم المحالة أن ابن عثيمين قال إن الإنسان يأثم إن كان سهره وعدم نومه باكرا يضيع صلاة الفجر إلى شروق الشمس فإنها من الكبائر، وأنا لا أطيق أن أخرجها خارج وقتها، وأسهر، لأن دراستي تريد جهدا وبعد أن أنهي الدراسة أقرأ القرآن وأقوم الليل... ومع هذا أقول في نفسي إن صلاة الفجر أهم من قراءة القرآن وقيام الليل وأضع المنبه وهناك مرات قليلة جدا لا أستيقظ ألا بعد شروق الشمس، فأشيروا علي بأقوال العلماء، فهل أترك قراءة القرآن وقيام الليل ولا أسهر لدراستي الجامعية، مع العلم أن هذا هو أفضل البرامج لدي، ولا أستطيع تغييره، ويكفيني أن أضع المنبه وأوكل من يوقظني على الفجر ونسبة استيقاظي كبيرة، لكن هناك مرات قليلة جدا لا أستيقظ فيها؟. وجزاكم الله خيرا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله تعالى لنا ولك العون على الطاعات، والجمع بين الصلاة في وقتها وبين الدراسة، ونفيدك أنه ثبت في الحديث كما في الصحيحين عن أبي برزة الأسلمي: قال: وكان يكره النوم قبلها، والحديث بعدها.
ومحل الكراهة إذا لم يكن في أمر مهم كالدراسة وما أشبهها، قال الحافظ ـ رحمه الله ـ في الفتح: قَوله: وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا أَيْ الْمُحَادَثَةَ...هَذِهِ الْكَرَاهَة مَخْصُوصَةٌ بِمَا إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي أَمْرٍ مَطْلُوبٍ.
وقال الإمام النووي في المجموع: وهذه الكراهة إذا لم تدع حاجة إلى الكلام، ولم يكن فيه مصلحة، أما الحديث للحاجة: فلا كراهة فيه، وكذا الحديث بالخير كقراءة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومذاكرة الفقه، وحكايات الصالحين والحديث مع الضيف ونحوها، فلا كراهة في شيء من ذلك، وقد جاءت بهذا كله أحاديث صحيحة مشهورة، وسبب عدم الكراهة في هذا النوع أنه خير ناجز، فلا يترك لمفسدة متوهمة، بخلاف ما إذا لم يكن في الحديث خير، فإنه مخاطرة بتفويت الصلاة لغير مصلحة. اهـ.
والذي ننصحك به ـ مادامت الصلاة تفوتك في بعض الأوقات ـ هو أن تجتهد في تغيير نظام وقت مذاكرتك بحيث لا تحول بينك وبين إدراك الصلاة في وقتها أحيانا، كأن تكون في آخر الليل أو بعد صلاة الفجر، فإن تعذر عليك هذا التعديل، فاحرص بقدر طاقتك على المواظبة على إدراك الصلاة في وقتها دائما، بمزيد من الاجتهاد والعناية باتخاذ الوسائل المعينة على ذلك، فإن فعلت ما بوسعك فلم تنتبه في بعض الأيام، فلا إثم عليك ـ إن شاء الله ـ إن نمت قبل دخول الوقت وغلبك النوم، مع نية الاستيقاظ في الوقت وأداء الصلاة، فقد نام النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام في السفر مرة عن صلاة الفجر ولم يستيقظوا إلا بعد طلوع الشمس، وخاف الصحابة ظنا منهم أنهم فرطوا في الصلاة، قال أبو قتادة ـ رضي الله عنه ـ فَجَعَلَ بَعْضُنَا يَهْمِسُ إِلَى بَعْضٍ مَا كَفَّارَةُ مَا صَنَعْنَا بِتَفْرِيطِنَا فِي صَلَاتِنَا؟ ثُمَّ قَالَ صلى الله عليه وسلم: أَمَا لَكُمْ فِيَّ أُسْوَةٌ.. أَمَا إِنَّهُ لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ، إِنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلَاةَ حَتَّى يَجِيءَ وَقْتُ الصَّلَاةِ الْأُخْرَى... الحديث. رواه مسلم.
فالأصل فيمن نام قبل دخول وقت الصلاة مع نية القيام لها فغلبه النوم، أنه معذور، لقوله صلى الله عليه وسلم: رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ. رواه أحمد وأصحاب السنن وغيرهم.
ولقوله صلى الله عليه وسلم: إنه ليس في النوم تفريط، إنما التفريط في اليقظة، فإذا نسي أحدكم صلاة، أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها. رواه الترمذي وغيره.
لكن إن غلب على ظنه عدم الاستيقاظ في الوقت، وكان يستطيع دفع النوم إلى أن يصلي، فإنه يأثم بنومه عند جماعة من الفقهاء، وقيل: لا يأثم، لأنه لا يطالب بها قبل دخول الوقت، قال ابن حجر في التحفة: ومحل جواز النوم إن غلبه بحيث صار لا تمييز له ولم يمكنه دفعه، أو غلب على ظنه أنه يستيقظ وقد بقي من الوقت ما يسعها وطهرها، وإلا حرم ولو قبل دخول الوقت، على ما قاله كثيرون، ويؤيده ما يأتي من وجوب السعي للجمعة على بعيد الدار قبل وقتها. اهـ.
وقال النفراوي في الفواكه الدواني: النَّوْمُ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ لَا حَرَجَ فِيهِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ جَوَّزَ نَوْمَهُ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ وَأَمَّا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ: فَلَا يَجُوزُ إلَّا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ يَسْتَيْقِظُ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ، أَوْ وَكَّلَ مَنْ يُوقِظُهُ. انتهى.
وقال الرملي في نهاية المحتاج: فإن نام قبل دخول الوقت لم يحرم، وإن غلب على ظنه عدم تيقظه فيه، لأنه لم يخاطب بها. انتهى.
وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى وجوب الأخذ بأسباب الاستيقاظ، وأن النائم إذا قصر في ذلك لحقه الإثم وتعرض للوعيد، فقد سئل الشيخ ابن باز السؤال التالي: إنني أضيع صلاة الصبح أحيانا بالنوم، فهل علي إثم بذلك؟ فأجاب: فإن هذا فيه تفصيل، إذا كان النوم غلبك وليس لك اختيار، فالنوم ليس فيه تفريط، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ليس في النوم تفريط، إنما التفريط في اليقظة ـ أما إذا كنت تستطيعين أن تقومي للفجر بوضع الساعة المنبهة، أو بتكليف من لديك من أهلك بإيقاظك، ثم تساهلت، فتأثمين بهذا، وعليك خطر، وعليك أيضا أن تبكري بالنوم، وألا تسهري حتى تستطيعي أن تقومي للفجر، فإذا تساهلت بالسهر، أو بعدم وجود الساعة ـ المنبهة ـ أو بعدم توكيل من يوقظك، فأنت كمتعمدة. اهـ.
وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: ثم إن النائم الذي رفع عنه القلم هو الذي ليس عنده من يوقظه أو يتمكن من إيجاد شيء يستيقظ به، أما شخص عنده من يوقظه أو يتمكن من إيجاد شيء يستيقظ به كالساعة وغيرها ولم يفعل، فإنه ليس بمعذور. انتهى.
والله أعلم.