عنوان الفتوى : تاب من أكل مال حرام ولكن صاحبه قال له : لا أسامحك
أكلت مالاً حراماً، وعندما تبت وأردت أن أعيد المال لصاحبه لم يقبل، وقال لي : لا أسامحك، فهل أستطيع أن أتصدق بقيمة المال الذي بذمتي له ؟
الحمد لله.
أولا :
تصح التوبة من كل ذنب إذا توفرت شروطها ، وهي : الإقلاع عن الذنب ، والندم ، والعزم على عدم العودة إليه مرة أخرى ، وهذا إن كانت التوبة من ذنب يتعلق بحقوق الله تعالى .
فإن كانت من حق يتعلق بالمخلوقين ، زاد شرط رابع وهو رد الحق لصاحبه أو طلب المسامحة منه .
قال النووي رحمه الله تعالى :
"قال العلماء: التوبة واجبةٌ من كل ذنبٍ، فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالى لا تتعلق بحق آدميٍ؛ فلها ثلاثة شروطٍ: أحدها: أن يقلع عن المعصية.
والثاني: أن يندم على فعلها.
والثالث: أن يعزم أن لا يعود إليها أبداً. فإن فقد أحد الثلاثة لم تصح توبته.
وإن كانت المعصية تتعلق بآدميٍ فشروطها أربعةٌ: هذه الثلاثة، وأن يبرأ من حق صاحبها؛ فإن كانت مالاً أو نحوه رده إليه، وإن كانت حد قذفٍ ونحوه مكنه منه أو طلب عفوه، وإن كانت غيبةً استحله منها" انتهى من "رياض الصالحين" (ص 33).
ثانيا :
إذا كان صاحب المال موجودا ، وأمكنك أن توصل إليه المال ، فلا تتم توبتك إلا بإيصال المال إليه ، ولا يكفي التصدق بالمال ، لأن التصدق بالمال إنما يكون عن تعذر إيصاله لصاحبه .
ولا يشترط لصحة التوبة أن يعلم صاحب المال بأن ماله وصل إليه ، بل يكفيك أن توصله إليه بأي طريق .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " … فإذا سرقتَ من شخصٍ أو من جهة ما سرقةً : فإن الواجب عليك أن تتصل بمن سرقت منه وتبلغه وتقول إن عندي لكم كذا وكذا ، ثم يصل الاصطلاح بينكما على ما تصطلحان عليه .
لكن قد يرى الإنسان أن هذا الأمر شاق عليه وأنه لا يمكن أن يذهب – مثلاً – إلى شخص ويقول أنا سرقت منك كذا وكذا، وأخذت منك كذا وكذا ، ففي هذه الحال يمكن أن توصل إليه هذه الدراهم – مثلاً – من طريق آخر غير مباشر، مثل أن يعطيها رفيقاً لهذا الشخص وصديقاً له ، ويقول له هذه لفلان ويحكي قصته ويقول أنا الآن تبت إلى الله – عز وجل – فأرجو أن توصلها إليه .
وإذا فعل ذلك فإن الله يقول : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ) الطلاق / 2 ، ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً ) الطلاق / 4 " انتهى من " فتاوى إسلاميَّة " ( 4 / 162) .
وعلى ذلك:
فإذا رفض صاحب المال أن يأخذ منك حقه ، لأجل ما ذكره ، فاصبر شيئا ما ، فلعله إن رأى منك صدق التوبة ، صلح ما بينكما ، وأخذ حقه منك .
ولو وعظته في ذلك ، وذكرته أنت ، أو أحد المخالطين لكما ، بأنه ينبغي عليه أن يعينك على التوبة، ولا يشق عليك : فهو حسن .
وإن لم يتيسر ذلك، فاحفظ المال عندك، وتحين به الفرصة أن تضعه له في ماله من غير أن يعلم هو بذلك .
والله أعلم .
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |