عنوان الفتوى : علاج داء العشق
أنا فتاة عمري 25 سنة، أحببت رجلا، ولا أستطيع نسيانه، شعرت دوما أنه نصيبي، أريد أن أشفى تماما من هذا الحب، مع أني ملتزمة، وجربت الكثير من العلاجات في موقعكم، وأرسلت إليكم، ولكني لا زلت متعبة، وكلما سمعت خبرا عنه تعبت أكثر، علما أنه متزوج، ووعدني أن يخطبني، ولكنه لم يفعل. وأعلمكم أني لا أحادثه أبدا، وليست بيننا أي صلة، لكنه من أقربائي، ويعيش في بلد آخر، وأسمع أخباره من أهله أحيانا. تعبت كثيرا، ساعدوني جزاكم الله خيرا. جربت أن أشغل نفسي، ولم أستطع، تعبت كثيرا، وأصبحت أشعر أني ضحية تلاعبه بمشاعري، ولا أستطيع الزواج بغيره.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فما وقعت فيه هو العشق، وهو داء خطير، إذا تمكن من القلب، جعل صاحبه في عذاب أليم، ويتقطع هذا القلب ألما وحسرة.
وقد ذكر ابن القيم في كتابه زاد المعاد في هدي خير العباد توجيهات تكفي - بإذن الله تعالى- من اتبعها، علاجا من هذا المرض، وهي مضمنة في الفتوى رقم: 9360.
ونؤكد على ما ذكره في نهاية كلامه من الحاجة إلى التضرع لله رب العالمين، وصدق الالتجاء إليه، فإن فعلت ذلك بعزيمة صادقة، نجوت بإذن الله، قال تعالى: فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ {محمد:21}، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لأحد أصحابه: إن تصدق الله، يصدقك. رواه النسائي في سننه.
ثم إنه ما يدريك أن يكون زواجه منك خيرا لك، خاصة وأن له زوجة، ولا يخفى عليك ما يكون من الضرة من غيرة، والسعي في إلحاق الأذى بضرتها. ثم إن هنالك كثيرا من الزيجات التي تقوم على هذا النوع من الحب، ويكون مصيرها الفشل الذريع، ففوضي أمرك إلى ربك، وسليه أن ييسر لك الزوج الصالح، فهذا خير لك من أن تتبعي نفسك من هو في شغل عنك، قال تعالى: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {البقرة:216}.
قال الطاهر بن عاشور في كتابه التحرير والتنوير، في بيان معنى آية سورة النساء: فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا {النساء:19}.
قال: وهذه حكمة عظيمة، إذ قد تكره النفوس ما في عاقبته خير، فبعضه يمكن التوصّل إلى معرفة ما فيه من الخير عند غوص الرأي. وبعضه قد علم الله أنّ فيه خيراً لكنّه لم يظهر للناس. قال سهل بن حنيف، حين مرجعه من صفّين: اتَّهِموا الرأي، فلقد رأيتُنا يَوم أبي جندل ولو نستطيع أن نردّ على رسول الله أمْره لردَدْنا. واللَّه ورسولُه أعلم. وقد قال تعالى، في سورة البقرة: وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم. ( البقرة : 216 ) . والمقصود من هذا: الإرشادُ إلى إعماق النظر، وتغلغل الرأي في عواقب الأشياء، وعدم الاغترار بالبوارق الظاهرة. ولا بميل الشهوات إلى ما في الأفعال من ملائم، حتّى يسبره بمسبار الرأي، فيتحقّق سلامة حسن الظاهر، من سُوء خفايا الباطن. اهـ.
والله أعلم.