عنوان الفتوى : حكم القرض الربوي لسداد الديون
أشكركم على هذا الصرح الإسلامي العظيم: منذ سنتين احتجت إلى مبلغ من المال لأتزوج، فاقترضته من بعض الأصدقاء، ولأن المبلغ كان كبيرا فقد طالب الأصدقاء بأموالهم بعد فترة وجيزة من زواجي، فاضطررت إلى عمل جمعيات مع بعض الناس وقبضتها أولا وسددت ما علي لأصدقائي، ولكن لأن المبلغ المستحق للجمعيات شهريا يفوق دخلي بكثير اضطررت لعمل جمعيات أخرى لأسدد الاشتراكات الشهرية في الجمعيات القديمة، وكنت أفعل ذلك آملا أن يربح المطعم الخاص بي. ولكن المطعم خسر خسائر متكررة مما زاد الدين من الجمعيات، والآن أنا في حيرة من أمري، هناك اشتراكات شهرية واجبة الدفع وليس لي سبيل لسدادها، والباقي على أول هذه الاشتراكات عشرة أيام ثم يليها غيرها كل شهر، وسيكون هناك انفراج بعد ستة أشهر، فلن تكون علي مبالغ كبيرة حيث أستطيع السداد من دخلي، فهل يحل لي أخذ قرض ربوي بضمان وظيفتي لتسديد تلك الاشتراكات الشهرية على أن أقوم بسداده فور توفر المبلغ المقترض لدي، علما بأنني لا أملك سوى شقة سكنية فى بيت والدي، ومطعما قيمة معداته لا تمثل عشر المبلغ المطلوب، وأحاول بيعها؟.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالربا لا يباح إلا في حال الضرورة، وما شرحته من حاجتك فلا يظهر أنه يصل إلى رتبة الضرورة في ميزان الشرع، فإن الضرورة كما جاء في كتاب نظرية الضرورة الشرعية هي: أن تطرأ على الإنسان حالة من الخطر، أو المشقة الشديدة بحيث يخاف حدوث ضرر أو أذى بالنفس، أو بالعضو ـ أي عضو من أعضاء النفس ـ أو بالعرض، أو بالعقل، أو بالمال وتوابعها، ويتعين أو يباح عندئذ ارتكاب الحرام، أو ترك الواجب، أو تأخيره عن وقته دفعاً للضرر عنه في غالب ظنه ضمن قيود الشرع. اهـ.
ولا يدخل ما ذكرته فيما يبيح الربا، فالمدين المعسر يجب إنظاره حتى يتيسر له السداد، قال تعالى: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُون {البقرة:280}.
والمقترض بالربا لسداد دينه كالمستجير من الرمضاء بالنار، فدين الربا أشد وأسوأ، وهو ماحق للبركة، وعاقبته إلى ندامة، ومن تحرى الحلال وجده ويسره الله له، ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، قال سبحانه: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِب {الطلاق:2ـ3}. وقال: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً {الطلاق:4}.
وإليك بعض الأدعية المأثورة في قضاء الدين: ففي الحديث: عن علي ـ رضي الله عنه: أن مكاتبا جاءه، فقال: إني قد عجزت عن كتابتي فأعني، قال، ألا أعلمك كلمات علمنيهنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان عليك مثل جبل ثبير دينا أداه الله عنك، قال: قل: اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمن سواك. رواه أحمد والترمذي والحاكم وصححه الحاكم، وحسنه الأرناؤوط والألباني.
وأخرج أبو داود في سننه من حديث أبي سعيد الخدري قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم المسجد، فإذا هو برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة، فقال: يا أبا أمامة، ما لي أراك جالسا في المسجد في غير وقت الصلاة؟ قال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله، قال: أفلا أعلمك كلاما إذا أنت قلته أذهب الله عز وجل همك وقضى عنك دينك؟ قال: قلت: بلى يا رسول الله، قال: قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال، قال: ففعلت ذلك فأذهب الله عز وجل همي، وقضي عني ديني.
نسأل الله أن يقضي عنك دينك، وييسر أمرك، ويجعل لك من همك فرجا، ومن ضيقك مخرجا.
والله أعلم.