عنوان الفتوى : حكم عدم إجابة الدعوة إلى الطعام
اعتاد الناس على الدعوة إلى الطعام بطريقة صورية، بمعنى إذا كان الشخص معه طعاما يكفيه هو فقط يدعو مجموعة من الأفراد أن يأكلوا معه،
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا حرج عليك في عدم إجابة هذه الدعوة؛ فإن هذه الدعوة مجرد دعوة طعام، وليست وليمة نكاح، والجمهور على عدم وجوب الحضور خلافا للظاهرية؛ قال ابن عبد البر في الاستذكار: ومن ذهب من أهل الظاهر وغيرهم إلى إيجاب الإجابة لكل دعوة احتجوا بظاهر الأحاديث عن النبي ـ عليه السلام ـ أنه قال: (أجيبوا الدعوة إذا دعيتم) وقوله ـ عليه السلام ـ (لو دعيت إلى ذراع لأجبت ولو أهدي لي كراع لقبلت).
وهذه جملة محتملة للتأويل لأنه يمكن أن يريد أجيبوا الدعوة إلى الوليمة ويحتمل قوله ـ عليه السلام ـ لو دعيت إلى ذراع الحديث الندب والاستحباب لما في إجابة دعوة الداعي من الألفة، وفي ترك إجابته من فساد النفوس وتوليد العداوة، وعلى كل حال فإجابة دعوة الداعي إلى الطعام حسنة مندوب إليها مرغوب فيها. انتهى.
وقال ابن قدامة في الكافي: فأما سائر الدعوات غير الوليمة، كدعوة الختان... والمأدبة: اسم لكل دعوة لسبب كانت أو لغير سبب، ففعلها مستحب، لما فيه من إطعام الطعام وإظهار النعمة، ولا تجب الإجابة إليها، لما روي «عن عثمان بن أبي العاص أنه دعي إلى ختان فأبى أن يجيب، وقال: إنا كنا لا نأتي الختان على عهد رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ ولا يدعى إليه» . رواه الإمام أحمد. وتستحب الإجابة، لقوله ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ ـ: «إذا دعي أحدكم فليجب عرسا كان أو غير عرس» رواه أبو داود؛ ولأن فيه جبر قلب الداعي وتطييبه. انتهى.
وجاء في فيض الباري شرح البخاري للكشميري: قوله: (ولَوْ دُعِيتُ إلى ذِرَاع، أو كُرَاعٍ لأَجَبْتُ)، واعلم أن إجابتَه الدَّعْوةَ سُنَّةٌ، وفي «الهداية» إنَّ إجابتَه دعوةَ الوليمةِ واجبةٌ، ولعلّ التخصيصَ بدعوةِ الوليمة، لأن من دَأْب الناسِ أنهم يَطْبُخُون في الولائم طعامًا كثيرًا، ويتكلَّفون فيه، فلو لم يُجَب إليها لأَدى إلى إضاعةِ أموالهم، وبالجملة إنَّ الأَمْرَ فيها مُحتلِفٌ باختلاف الأحوال، والأزمان، والأشخاص. انتهى.
وحتى لو كانت وليمة، فهناك أعذار تبيح التخلف عن الولائم؛ قال النووي ـ رحمه الله ـ في شرح مسلم: وأما الأعذار التي يسقط بها وجوب إجابة الدعوة أو ندبها فمنها أن يكون في الطعام شبهة، أو يخص بها الأغنياء، أو يكون هناك من يتأذى بحضوره معه، أو لا تليق به مجالسته، أو يدعوه لخوف شره، أو لطمع في جاهه، أو ليعاونه على باطل، وأن لا يكون هناك منكر من خمر أو لهو أو فرش حرير أو صور حيوان غير مفروشة أو آنية ذهب أو فضة، فكل هذه أعذار في ترك الإجابة، ومن الأعذار أن يعتذر إلى الداعي فيتركه، ولو دعاه ذمي لم تجب إجابته على الأصح ولو كانت الدعوة ثلاثة أيام فالأولى: تجب الإجابة. والثاني: تستحب. والثالث: تكره. اهـ.
ويستفاد من قوله: ومن الأعذار أن يعتذر إلى الداعي فيتركه، أنك لو اعتذرت له فقبل العذر فلا حرج عليك.
ثم اعلم أنه حتى في الأحوال التي يجب فيها حضور الوليمة لا يلزم الأكل؛ قال ابن قدامة في المغني: وجملة ذلك أن الواجب الإجابة إلى الدعوة؛ لأنها الذي أمر به وتوعد على تركه، أما الأكل فغير واجب، صائما كان أو مفطرا. نص عليه أحمد. انتهى.
والله أعلم.