عنوان الفتوى : موقف الشرع من المال الناتج عن المحرم لعارض
هل كل عمل محرم يكون المال الناتج عنه محرماً مثل التجارة وقت الصلاة، أو تدريس المتبرجات علوماً مباحة، أو نقل المرأة منفردة في وسيلة مواصلات.... ألخ أم أن هناك انفكاك جهة؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فإن كل محرم لذاته يحرم العمل فيه ويحرم ما نتج عنه، وأما ما كان تحريمه لعارض وليس لذات العمل فإن العمل فيه يكون محرماً ولكن ما نتج عنه ليس بمحرم على رأي الجمهور، وقالوا: إن العامل عصى الله تعالى بمخالفته ولكن ما نتج عن هذا العمل صحيح. وينطبق على المحرم لذاته قول العلماء: "وفسد منهي عنه" وهي قاعدة شاملة للعبادات والمعاملات، وعلى مضمونها جمهور أهل العلم، ولهذا فلا اعتبار ولا أثر ولا أجر في أي عبادة أو معاملة ورد النهي عنها في كتاب الله تعالى أو في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، قال الدردير المالكي عند قول خليل في المختصر: "وفسد منهي عنه" أي بطل ولم ينعقد، سواء كان عبادة كصوم يوم العيد، أو عقداً كنكاح المريض والمُحْرِم، وكبيع ما لا يقدر على تسليمه أو مجهول؛ لأن النهي يقتضي الفساد. وأما الأمثلة التي ذكرها السائل الكريم فليست محرمة لذاتها، ولهذا فما نتج عنها ليس بحرام، وإن كان العامل قد عصى بذلك الفعل. ولهذا قال العلماء في الذي يعمل هذا النوع من العمل (عصى وصحت)، ويوجهون ذلك بأن لهذا العمل جهتين منفكتين (غير مترابطتين)، وبأن الحرمة لأمر خارج عن العمل لا لذات العمل. ولهذا قال خليل المالكي في مختصره: وعصى وصحت -أي الصلاة- إن لبس حريراً أو ذهباً، أو سرق أو نظر فيها محرما. هذا مذهب الجمهور -وهو الراجح إن شاء الله تعالى - ومن أدلتهم على صحته أن الإجماع قائم على صحة صوم من صام في يوم خاف فيه على نفسه الهلاك مع أنه لا يجوز له الصيام، وكذلك من صلى في البلد الذي تجب عليه الهجرة منه أن صلاته صحيحة، فهو عاصٍ مع صحة الصوم والصلاة. وعلى هذا.. فإن باع وقت الصلاة المفروضة من يجب عليه حضور الجماعة فإن بيعه صحيح ما لم تكن الصلاة جمعة فالبيع فاسد للنهي، والذي يدرِّس المتبرجات، أو ينقلهن لم يفعل ما نهي عنه في ذاته وإنما تعاون مع من يفعل المنهي عنه، ولا شك أن هذا حرام، وهو من باب التعاون على الإثم والعدوان، فهو عاصٍ ولكن عمله صحيح لانفكاك الجهتين. والله أعلم.