عنوان الفتوى : الرد على من يدعي أن الله يحب تعذيب الناس
كيف أجيب على الناس الذين يقولون : إن الله ـ سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون سادي، ويحب تعذيب الناس ؟
الحمد لله.
أولا:
هذا كلام قبيح لا يقوله إلا ضال منتكس، جاحد لنعم ربه وفضله عليه.
وهو كذب وافتراء على الله، ووصف له بأوصاف السوء التي لا تليق بالمخلوق السويّ، فكيف بالخالق الكريم، البَر الرحيم؛ تعالى وتقدس.
والله تعالى لا يحب تعذيب خلقه، بل يحب رحمتهم وهدايتهم وهو أرحم بهم من أنفسهم وأمهاتهم.
قال الله تعالى: مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا النساء/147
قال الشيخ السعدي رحمه الله: "ثم أخبر تعالى عن كمال غناه وسعة حلمه ورحمته وإحسانه فقال: مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ والحال أن الله شاكر عليم. يعطي المتحملين لأجله الأثقال، الدائبين في الأعمال، جزيل الثواب وواسع الإحسان. ومن ترك شيئًا لله أعطاه الله خيرًا منه.
ومع هذا يعلم ظاهركم وباطنكم، وأعمالكم وما تصدر عنه من إخلاص وصدق، وضد ذلك. وهو يريد منكم التوبة والإنابة والرجوع إليه، فإذا أنبتم إليه، فأي شيء يفعل بعذابكم؟ فإنه لا يتشفى بعذابكم، ولا ينتفع بعقابكم، بل العاصي لا يضر إلا نفسه، كما أن عمل المطيع لنفسه." انتهى، من "تفسير السعدي" (211).
وقال العلامة الطاهر ابن عاشور، رحمه الله: "والخطاب يجوز أن يراد به جميع الأمة، ويجوز أن يوجه إلى المنافقين على طريقة الالتفات من الغيبة إلى الخطاب ارتفاقا بهم.
والاستفهام في قوله: ( ما يفعل الله بعذابكم ): أريد به الجواب بالنفي فهو إنكاري؛ أي: لا يفعل بعذابكم شيئا.
ومعنى ( يفعل ) : يصنع ، وينتفع، بدليل تعديته بالباء.
والمعنى : أن الوعيد الذي تُوُعِّد به المنافقون إنما هو على الكفر والنفاق، فإذا تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله ، غفر لهم العذاب، فلا يحسبوا أن الله يعذبهم لكراهة في ذاتهم ، أو تشفٍّ منهم، ولكنه جزاء السوء، لأن الحكيم يضع الأشياء مواضعها، فيجازي على الإحسان بالإحسان، وعلى الإساءة بالإساءة، فإذا أقلع المسيء عن الإساءة، أبطل الله جزاءه بالسوء؛ إذ لا ينتفع بعذاب ولا بثواب، ولكنها المسببات تجري على الأسباب. وإذا كان المؤمنون قد ثبتوا على إيمانهم وشكرهم، وتجنبوا موالاة المنافقين والكافرين؛ فالله لا يعذبهم، إذ لا موجب لعذابهم." انتهى، من "التحرير والتنوير" (5/245).
وعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْيٍ ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنْ السَّبْيِ تَبْتَغِي ، إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ ، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَتَرَوْنَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ ؟ قُلْنَا : لَا وَاللَّهِ ، وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لَا تَطْرَحَهُ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا رواه البخاري (5999) ومسلم (2754) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: لَمَّا قَضَى اللَّهُ الخَلْقَ، كَتَبَ عِنْدَهُ فَوْقَ عَرْشِهِ: إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي رواه البخاري (7453)، ومسلم (2751).
وعَنْ سَلْمَانَ، رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللهَ خَلَقَ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِائَةَ رَحْمَةٍ كُلُّ رَحْمَةٍ طِبَاقَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَجَعَلَ مِنْهَا فِي الْأَرْضِ رَحْمَةً، فَبِهَا تَعْطِفُ الْوَالِدَةُ عَلَى وَلَدِهَا، وَالْوَحْشُ وَالطَّيْرُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَكْمَلَهَا بِهَذِهِ الرَّحْمَةِ رواه مسلم (2753).
ومع تمام رحمته سبحانه، ولطفه، وبره بعباده ، ورأفته بهم ، فهو سبحانه حكيم عليم خالق قادر، لا يرضى أن يعصى ولا أن يكفر به، ولا أن يكذَّب أنبياؤه، ولا أن يُظلم عباده، ولهذا توعد من كفر به، وتمر عليه، وكذب رسله، وظلم عباده بالعذاب الأليم الشديد.
وهذا من كمال عدله وقوته، كما قال تعالى: نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ الحجر/49، 50 .
وإنما الذي يحب تعذيب الناس:
1-من يعذب عباده، ولو كانوا طائعين مستجيبين. قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا النساء/40
2-من لا يمهل ولا يعذر ولا يعطي الفرصة لعبده أن يتوب. والله سبحانه حليم كريم يمهل عباده، ويُعذرهم، ويرسل إليهم من يذكرهم، ويبتليهم في الدنيا بما يخوّفهم ويقربهم إليه.
3-من يغلب عليه التعذيب، وتقل في مواقفه الرحمة، والله تعالى أرحم الراحمين، وقد سبقت رحمته غضبه.
وتأمل.. هناك مليارات من الناس اليوم يشتمون الله وينسبون له الولد، أو يجحدونه، أو يعبدون غيره، ومع ذلك: يرزقهم، ويُصح أبدانهم، وينعم عليهم بما لا يحصى من النعم، ولا يعاجلهم بالعقوبة، ويقبل توبة من تاب منهم، ولو عاش في الكفر والتمرد ما عاش، ويفرح بهذه التوبة، ويكرم صاحبها، ويبدل سيئاته السابقة حسنات!
فأي رحمة وحلم وكرم فوق هذا؟!
روى البخاري (6099)، ومسلم (2804) عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا أَحَدَ أَصْبَرُ عَلَى أَذًى يَسْمَعُهُ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، إِنَّهُ يُشْرَكُ بِهِ، وَيُجْعَلُ لَهُ الْوَلَدُ، ثُمَّ هُوَ يُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ .
وخلاصة الأمر: أن قائل هذه المقولة لا يعرف الله أصلا! ولا يعلم بأنه من يرزق، ويعطي، ويمنح، وأن كل ما عند العبد من: مال، وصحة، وسعادة، وعقل، وتفكير، ورحمة بغيره، وتوفيق لعمل الخير، فكله من الله، ولو آمن بذلك لعلم أن الله أرحم الأرحمين، وأكرم الأكرمين.
فعلاج هؤلاء –إن كانوا يريدون الخير- أن يتعرفوا على الله، وأن يقفوا على آثار رحمته، فهذا خير لهم من ترديد كلام الجاحدين الذين قال الله فيهم: يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ النحل/83.
ثانيا:
لا ينبغي للعبد الناصح لنفسه، الحريص على دينه، الضنين به : أن يصغي لشبهات الجاحدين والمشككين، فإن ذلك قد يمرض القلب، ويدخل فيه شيئا من الشك والريب.
ولا يكون النظر في الشبهات إلا للراسخين في العلم. قال تعالى: وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا النساء/83.
نسأل الله أن يجنبنا وإياك الفتن ما ظهر منها وما بطن.
والله أعلم.
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |