عنوان الفتوى : ثمار الوقف الاستحقاقى وما يعتبر منها تركه من عدمه
من الأستاذ الشيخ عبد القادر خالد المحامى قال إنه بتاريخ 19 يونية 1902 وقفت المرحومة السيدة فاطمة هانم كريمة المرحوم محمد باشا فاضل الأعيان المبينة بكتاب وقفها الصادر منها أمام محكمة مصر الشرعية بالتاريخ المذكور. ثم توفيت الواقفة المكورة فآل إلى كريمتها السيدة خديجة رستم فاضل ريع مائتين وخمسة وأربعين فدانا من أعيان هذا الوقف طبقا لإنشاء وشروط الواقفة واستولت السيدة خديجة المذكورة على هذا القدر جميعه. ثم توفيت السيدة خديجة بتاريخ 7 أغسطس سنة 1951 وكان جزء من هذه الأطيان الموقوفة منزرعا قطنا على ذمتها وصرف على زراعتها من مالها الخاص، وقد جمع محصول هذا القطن وبيع بمبلغ أحد عشر ألفا من الجنيهات وذلك بعد وفاتها - وأنه طبقا لشروط الواقفة انتقل استحقاق ريع هذه الأطيان من بعدها إلى بنتها السيدة فاطمة مرتضى فقط - أما تركتها إرثا فقد انحصرت فى بنتها المذكورة وفى أبناء أخويها المتوفين قبلها إسماعيل فاضل وعمر فاضل وهم حسين وعزيز ولدى عمر فاضل - وأحمد وجميل وعثمان أبناء إسماعيل فاضل فقط. وطلب السيد السائل معرفة الحكم الشرعى فيما يعتبر تركة يقسم بين ورثة السيدة خديجة المذكورة طبقا لأحكام قانون المواريث وما يعتبر استحقاق فى الوقف المذكور لبنتها باعتبارها المستحقة الوحيدة لهذه الأطيان جميعها بعد وفاة والدتها ساء فى ذلك ما كان منزرعا قطنا على ذمتها وما لم يكن كذلك
إنه ظاهر من السؤال أنه لا نزاع فى أصل استحقاق السيدة فاطمة مرتضى لجميع ما كانت تستحقه والدتها السيدة خديجة رستم فى هذا الوقف. وإنما لنزاع فيما يعتبر تركة عن السيدة خديجة المذكورة من ريع الأطيان التى كانت تستحقها سواء فى ذلك ما كان منزرعا على ذمتها وما لم يكن كذلك، ولبيان حكم موضوع الاستفتاء. نقول إن ما تقضيه نصوص الفقهاء فى كتبهم ورجحوه وأفتى به المرحوم الشيخ المهدى فى فتاواه وتابعه غيره من المفتين هو أن المقدار الذى زرعته السيدة خديجة رستم المذكورة على ذمتها من هذه الأطيان المستحقة لها من الوقف المشار إليه وصرفت عليها من مالها تكون هذه الزراعة ملكا خالصا لها وتورث جميعها عنها وعند وفاتها لأنه ثمار ملكها. ومادام استحقاق ريع هذه الأطيان قد انتقل إلى كريمتها فاطمة خاصة بعد وفاتها كما جاء بالسؤال فيجب على باقى الورثة وهم أبناء أخوى الست خديجة الخمسة لجهة الوقف أجر مثل ما يخصهم ميراثا من الأرض المنزرعة من وقت وفاة الست خديجة رستم وهو 7 أغسطس سنة 1951 إلى حين جمع المحصول وتحلية الأرض من الزراعة وتستحق هذا القدر بنتها فاطمة باعتباره استحقاق فى الوقف وهى المستحقة الوحيدة له. وحينئذ يقسم مبلغ الأحد عشر ألف جنيه بين ورثتها طبقا لأحكام قانون المواريث فتستحق فاطمة ببنتها نصفها وهو خمسة آلاف ونصف فرضا ويستحق أبناء أخويها الخمسة الباقى وهو خمسة آلاف ونصف بالسوية بينهم تعصيبا. ويجب على أبناء الأخوين أجر مثل نصف الأرض المنزرعة قطنا من يوم 7 أغسطس سنة 1951 وهو تاريخ وفاة الست خديجة إلى وقت تخلية الأرض من الزراعة ويعتبر هذا الأجر استحقاق لريع الوقف يعطى بنتها المذكورة المستحقة الوحيدة بعدها. وبعدها أن تجرى المحاسبة على ما عسى أن يكون صرف على القطن من مصاريف فى تلك المدة ويضمن كل واحد من الورثة ما يخصه فى ذلك مضافا لأجر مثل الأرض. أما باقى الأرض غير المنزرعة فإن السيدة خديجة تستحق من ريعها ما ابل المدة التى كانت موجودة فيها على قيد الحياة إلى وفاتها، فما أصاب هذه المدة ولم تستوفه قبل وفاتها يعتبر تركة عنها يقسم بين ورثتها المذكورين طبقا لما ذكرناه، وأما ما قابل المدة بعد وفاتها فيعتبر استحقاقا لبنتها لا يشاركها فيه أحد من باقى الورثة لأنه استحقاق لريع وقف. ومن هذا يعلم الجواب عن السؤال حيث كان الحال ما ذكر به والله سبحانه وتعالى أعلم. بسم الله الرحمن الرحيم تقديم للمرحلة الخامسة من الفتاوى الإسلامية الصادرة عن دار الافتاء المصرية فى أحكام المواريث بقلم صاحب الفضيلة الامام الأكبر الشيخ جاد الحق على جاد الحق شيخ الأزهر الحمد لله الذى قدر فهدى، ذى الطول والانعام، والشكر لله الأكرم، الذى علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم. والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله محمد بن عبد الله، خاتم النبيين الذى أرسله الله بالهدى والدين الحق، شريعة ظاهرة بينة عادلة شاملة، احتواها كتاب الله، وفصلتها سنة رسول الله. ولقد محت هذه الشريعة ظلما وظلمات سيطرت على الإنسانية، واضاءت حياة الانسان وأسعدت خاتمته بالعدل والعدالة، فما تركت من أمور هذه الحياة أمرا إلا ونظمته، طلبا لاستقرار بنى الانسان وحجبا لأسباب الشقاق، والشقاق عن المجتمع، ليعيش متساندا متعاونا على البر والتقوى، يعرف أن ما جمع من مال إنما مآله الى غيره، الذى قد يحسن تدبيره فتنمو به الحياة، وقد يسىء الوارث حيازته فيذهب هباء ويصير نقمة بعد أن جمعه المورث وعدده وربما ظن أن ماله أخلده، ولأهمية المال وارثه تواردت على الإنسانية نظم وشرائع للميراث، وما تزال تختلف فى ذلك أمم الأرض. لكن شريعة الله الإسلام قد قالت كلمتها فى ذلك، فجاء القرآن عادلا، لأنه حكم الله الذى خلق فسوى، قرر للتوريث نظاما، صان به نظام الملكية الفردية - عقارا أو منقولا - بل وكل ما كان مثمرا يعود على مالكه بالنماء والارتقاء، وأقر الإسلام انتقال الملكية إلى الورثة بمجرد موت المورث، دون توقف على قضاء أو تراض ووزعت هذه الشريعة التركة بين مستحقيها توزيعا عادلا، بريا من الحيف والشطط، بعد أن بينت الحقوق صحفة رقم 5027 المتعلقة بها، ورتبتها فى القضاء أو الاقتضاء ولم تغفل بيان أسباب الأرث وشروط التوريث وموانعه وحظ كل وارث من التركة، ومن يرث ومن يحرم أو يحجب من الأرث، وكيفية قسمة التركة بين الورثة بالعدل، مقدرة للنساء حظوظا حرمن منها فى شرائع سابقة، ولم يترك التشريع الأسلامى شيئا مما يقتضيه استقرار الأمر فى انتقال ملكية التركة من يد المورث إلى ورثته وذوى الحقوق عليه، إلا حدده قطعا لأسباب المغالبة والمخاصمة بين الناس فى شأن الأموال الموروثة. ولما كان للأموال أثرها البارز فى هذه الحياة وفى استقرار الصلات بين الناس لاسيما فى الحفاظ على دوام المودة بين ذوى القربى، وعلاقات أفراد الأسرة فيما يتوارثون حث الإسلام على تعلم وتعليم قواعد الميراث وأحكامه التى فصلت فى القرآن والسنة. وفى هذا روى ابن مسعود رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تعلموا القرآن وعلموه الناس، وتعلموا الفرائض. وعلموها الناس، فاتى امرؤ مقبوض والعلم مرفوع، ويوشك أن يختلف اثنان فى الفريضة فلا يجدان أحدا يخبرهما. (أخرجه أحمد والنسائى والدارقطنى، ومثله عند ابن ماجه وللحاكم فى المستدرك عن أبى هريرة) وروى عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قوله تعلموا الفرائض فإنها من دينكم. ولقد برز من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، ورضى الله عنهم فى علم الفرائض كثيرون كان من أشهرهم زيد بن ثابت وعلى بن أبى طالب وعبد الله بن مسعود. وتوارث الفقهاء هذا العلم فيما ورثوا عن صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم. ولما دون الفقه الإسلامى ونشأت مذاهبه كانت أحكام المواريث من أهم أبوابه وأدق مباحثه وأفرده كثير من الفقهاء بالتأليف بل جعلوه علما مستقلا سموه علم الفرائض، وعلم الميراث. والخلاف بين فقهاء المسلمين فى التوريث والانصباء محصور فى مسائل قليلة، لأن أحكام الميراث فى الأغلب قد قطع فيها القرآن بالقول الفصل، كالرد على أحد الزوجين، وما يتعلق بأرث الحمل من أبيه وغيره. ولقد ظل القضاء والفتوى فى مصر يجريان فى منازعات الأرث على العمل بأرجح الأقوال فى فقه مذهب الأمام أبى حنيفة رضى الله عنه زمنا غير قصير أعمالا لنصوص قوانين ولوائح المحاكم الشرعية التى كان آخرها المادة 280 من لائحة ترتيب هذه المحاكم الصادرة بالقانون رقم 78 لسنة 1931 وستجد فى الفتاوى التى تنشر عن سجلات دار ألإفتاء المصرية فى هذه المرحلة الخامسة، الكثير من أحكام الميراث منثورة فى صور ووقائع عديدة متنوعة، وستطلعنا هذه المرحلة على نمط تتفاوت عباراته، ولا تتغاير أحكامه، ملتزمة - فيما اختلفت فيه - مذهب أبى حنيفة. وانى لأدعو الله سبحانه أن يثيب السادة الذين بذلوا ويبذلون الجهد الوفير فى أختيار الفتاوى المنشورة وتأصيل مبادئها وأرساء قواعدها لافادة الدارسين، ونفع السائلين أولئك العاملين - بدار الأفتاء المصرية - رجال المكتب الفتى للمفتى السادة المستشارين ورؤساء المحاكم والقضاة وأعوانهم من الباحثين والادارين فقد أخرجوا للناس علما موروثا طويت صحفه، ذلك لتنشر وتذكر. فلهم كل الشكر وحسن الذكر حيث تابعوا ويتابعون العمل حتى صدرت هذه الفتاوى كتابا مقروءا. ولاسرة المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بوزارة الأوقاف كل التقدير لما تبذل فى نشر هذا التراث الفقهى على الناس، يتفقهون به فى دينهم. وستتلو هذه المرحلة مرحلة أخرى لفتاوى الميراث. اللهم تقبل هذا العمل خالصا لوجهك وخدمة لدينك الإسلام من كل من شارك فيه وأعان على نشره وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين. شيخ الأزهر (جاد الحق على جاد الحق)
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |