عنوان الفتوى : معنى الحسد وأسبابه ومراتبه
لي صديقة معقود عليها، وكنت أدعو لها بإتمام زواجها، لكنه يبقي عندي شيء من الغيرة أو الحقد، وكنت أكتمه وأزيد في الدعاء، ووقع منها موقف فاستهزأت بها للأسف، فهل علي ذنب؟ وهل معني ذلك أنني حسدتها؟ خصوصا أن معها مشاكل، وعلمت أنها ستطلق، فدعوت لها وقلت ماذا لو تقدم زوجها لأختي؟ لكنني ندمت ولازلت أدعو لها، فهل بهذه المواقف أكون قد حسدتها؟.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما تعانين منه من الغيرة والحقد ثمرة من ثمرات ضعف اليقين وقلة الرضا بقضاء الله سبحانه، ولو استقر في قلبك اليقين بأن الأمور كلها بيد الله، وأنه قسم الأرزاق بين العباد، وأن أفعاله سبحانه كلها بعلم محيط وحكمة بالغة، وأن قضاءه دائما لعبده المؤمن هو الخير، لما استزلك الشيطان إلى هذه الأحقاد، وراجعي الفتاوى التالية أرقامها: 114953، 9803، 106294، ففيها الحديث عن الرضا بالقضاء وأثره في الحياة الهانئة السعيدة.
وقد أحسنت في الدعاء لصديقتك وكتم ما في نفسك عنها، وأما الاستهزاء بها فهو محرم، واعلمي أن الحقد من أسباب الحسد، فقد جاء في بريقة محمودية: أَسْبَابُ الْحَسَدِ سِتَّةٌ:
أَوَّلُهَا: تَعَزُّزٌ.
ثَانِيهَا: تَكَبُّرٌ.
ثَالِثُهَا: خَوْفُ فَوْتِ الْمَقْصُودِ.
رَابِعُهَا: حُبُّ الرِّيَاسَةِ.
خَامِسُهَا: خُبْثُ النَّفْسِ.
سَادِسُهَا: الْحِقْدُ. اهـ.
وقال الهيثمي في الزواجر: الحسد من نتائج الحقد، والحقد من نتائج الغضب، فكانا بمنزلة خصلة واحدة، فلذلك جمعتها في ترجمة واحدة، لأن ذم كل يستلزم ذم الآخر، إذ ذم الفرع وفرعه يستلزم ذم الأصل، وأصله بالعكس. اهـ.
ثم إن الحسد له أربع مراتب:
الأولى: أن يحب الحاسد زوال النعمة عن المحسود، وإن كان ذلك لا ينتقل إليه، وهذا في غاية الخبث.
الثانية: أن يحب زوال النعمة عن المحسود وتحولها إليه، لرغبته في تلك النعمة، مثل رغبته في داره الحسنة، وامرأته الجميلة.
الثالثة: أن لا يشتهي الحاسد عين النعمة لنفسه، بل يشتهي مثلها، فإن عجز عن مثلها أحبَّ زوالها كي لا يظهر التفاوت بينهما.
الرابعة: الغبطة، وهي: أن يشتهي لنفسه مثل النعمة التي لغيره، فإن لم تحصل، فلا يحب زوالها عنه.
وهذه الأخيرة هي المرتبة المعفو عنها إن كانت في شأن دنيوي، والمندوب إليها إن كانت في شأن ديني.
والثالثة: فيها مذموم، وفيها غير مذموم، والأولى والثانية مذمومتان بإطلاق، وتسمية الأخيرة حسداً فيه تجوُّز وتوسع ولهذا تسمى الغبطة أيضا، قال ابن حجر في فتح الباري: وأما الحسد المذكور في الحديث: فهو الغبطة، وأطلق الحسد عليها مجازا، وهي أن يتمنى أن يكون له مثل ما لغيره من غير أن يزول عنه، والحرص على هذا يسمى منافسة، فكأنه قال في الحديث: لا غبطة أعظم أو أفضل من الغبطة في هذين الأمرين.
والله أعلم.