عنوان الفتوى : ورث أولاده من أمهم، وعليه ديون فهل يأخذ من أموالهم ؟
توفى الله زوجتي بعد أن أنجبت لي طفله ، وزوجتي المرحومة كان لها راتب في حياتها من الدولة ، حيث كانت موظفة ، وبطبيعة الحال هنالك تركة لي وللأولاد ، وعلي ديون ، فهل أستطيع أن آخذ من تركة الأولاد الشئ اليسير لتقضية مصالح لي ولهم ؛ كوني الولي الشرعي عليهم ؟ ومن أولادي طفلة في كفالة أخت لي ومتزوجة ، وعندها أولاد ، فهل يجوز أيضا أن آخذ من مالها الشئ اليسير وأسدد به دينا علي ، أو أن أعطي اختي التي تكفلها شيئا منه ؟
الحمد لله
أولا:
إذا ماتت الزوجة، وتركت زوجا وأولادا، فللزوج الربع، لقوله تعالى: وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ النساء/12
وللأولاد الباقي للذكر مثل حظ الأنثيين، إلا إن كان هناك وارث آخر كالأب، فيأخذ نصيبه، ثم يأخذ الأولاد الباقي.
ثانيا:
يلزم الأب أن ينفق على أولاده بالمعروف، إن لم يكن لهم مال.
فإن كان لهم مال: لم تجب عليه النفقة، بل له أن ينفق عليهم من مالهم.
قال ابن قدامة رحمه الله: " (ويجبر الرجل على نفقة والديه، وولده، الذكور والإناث، إذا كانوا فقراء، وكان له ما ينفق عليهم)...
وأما الإجماع، فحكى ابن المنذر قال: أجمع أهل العلم على أن نفقة الوالدين الفقيرين اللذين لا كسب لهما، ولا مال: واجبة في مال الولد.
وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم، على أن على المرء نفقة أولاده الأطفال الذين لا مال لهم" انتهى من "المغني" (8/ 211).
ثالثا:
للأب أن يأخذ من أموال أولاده، إذا كان محتاجا إلى ذلك ، بشرط ألا يُضِر بهم، وألا يأخذ من أحدهم ليعطي الآخر.
والأصل في ذلك ما روى أحمد (6678) ، وأبوداود (3530) ، وابن ماجه (2292) عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إن لي مالا وولدا ، وإن والدي يجتاح مالي قال: أَنْتَ وَمَالُكَ لِوَالِدِكَ ، إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلْتُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ، وَإِنَّ أَمْوَالَ أَوْلَادِكُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ ، فَكُلُوهُ هَنِيئًا وله طرق وشواهد يصح بها، وينظر: " فتح الباري " (5/ 211)، و " نصب الراية " (3/ 337).
وقيد الجمهور ذلك بحاجة الأب، خلافا للحنابلة، فإنهم يجيزون للأب أن يأخذ من مال أولاده مع الحاجة وعدمها.
قال ابن قدامة رحمه الله: " وللأب أن يأخذ من مال ولده ما شاء ويتملكه، مع حاجة الأب إلى ما يأخذه، ومع عدمها، صغيرا كان الولد أو كبيرا بشرطين:
أحدهما: أن لا يجحف بالابن ولا يضر به ولا يأخذ شيئا تعلقت به حاجته.
الثاني: أن لا يأخذ من مال ولده فيعطيه الآخر، نص عليه أحمد في رواية إسماعيل بن سعيد، وذلك لأنه ممنوع من تخصيص بعض ولده بالعطية من مال نفسه، فلأن يمنع من تخصيصه بما أخذ من مال ولده الآخر أولى ...
وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي: ليس له أن يأخذ من مال ولده إلا بقدر حاجته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام ، كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا) متفق عليه، ولأن ملك الابن تام على مال نفسه فلم يجز انتزاعه منه كالذي تعلقت به حاجته " انتهى من "المغني" (6/ 320) مختصرا.
وقد سبق في الموقع أن المختار مذهب جمهور العلماء ، وأنه ليس للأب أن يأخذ من مال ولده ، من غير حاجة إليه .
ينظر جواب السؤال رقم : (9594) ، ورقم : (145503).
وعليه: فليس لك أن تأخذ من مالهم شيئا ، إلا إذا كانت محتاجا إليه ، فتأخذ من مالهم ما تستعين به على حوائجك، وتقضي به دينك، بشرط أن لا يكون في ذلك ضرر عليهم ، بإتلاف مالهم ، وإنفاقه ، مع حاجتهم إليه .
وأما كفالة الطفلة ورضاعها ونحو ذلك، فهذا يؤخذ من مالها، كبقية نفقتها.
فإن كانت أختك لا تفعل هذا تبرعا، فلك أن تدفع لها أجرة، إضافة لما تحتاجه الطفلة من لباس ونحوه، فهذا كله لا حرج أن يؤخذ من مال الطفلة.
والأولى بك، على كل حال: أن تتعفف عن مالهم ، ما أمكنك ذلك؛ وأن تعمل بما روى البخاري (1428) عن حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ الْيَدِ السُّفْلَى ، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ ، وَخَيْرُ الصَّدَقَةِ عَنْ ظَهْرِ غِنًى ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ .
والله أعلم.