عنوان الفتوى : موت الناظر مجهلا لمال الوقف
من السيد حسين القصبى فى ناظر على أوقاف عين واقفها لكل منها مصرفا وشرط فى بعضها أن يبدأ من غلته بعمارته وتكملته وفى بعضها أن ما يتجمد من إيرادها بعد المصارف المخصوصة يبقى بيد الناظر إلى أن يصير مبلغا جسيما فيشترى به ما يعود نفعه على الوقف من عقار وخلافه تولى ذلك الناظر العمل فى تلك الأوقاف وجمع إيراداتها وصرفها. ووضع لذلك دفاتر جمعت حساباتها وقيد فيها الريع وما صرف منه وجرى العمل فى تلك الدفاتر على أن يصدر إذن منه لكاتب الوقف يختمه أو خطه بصرف مبلغ كذا ويقيد ذلك الإذن بدفتر الحساب بنمرته على طريق تكون النمر به متسلسلة وبين فى تلك الدفاتر ما بقى بيد الناظر من إيرادها ثم مات ذلك الناظر وتولى النظر على تلك الأوقاف غيره وأراد محاسبة التركة وأن يأخذ منها ما بقى عند الناظر الأول بمقتضى تلك الدفاتر. فهل يكون له ذلك ولا يقال بعد هذا البيان ان الناظر الأول مات مجهلا. وإذا قيل انه مع هذا يكون مجهلا أفلا يكون ضمنا لما تحقق أنه لم يصرف فى المصارف التى عينها الواقف خصوصا إذا شرط الواقف البداءة بالعمارة وتكملة بعض الأعيان ولم يفعل الناظر شيئا من ذلك ولا يكون التجهيل حينئذ نافيا للضمان. وهل إذا كان شىء من تلك الأوقاف على معينين لا تسقط حقوقهم بمضى المدة مع استمرار استجرارهم من الناظر بعضها حال حياته. وهل إذا وجدت أوراق بالإذن بالصرف خالية من ختم الناظر وخطه وليست منمرة بنمرة متسلسلة حسبما هو متبع فى أمثالها لا تعتبر وتكون بمنزلة حشو بين بقية النمر لو وجدت وارادة فى دفاتر الحساب أفيدوا
بين الفقهاء ما يقصدون من لفظ المجهل الذى ناطوا به حكمه سواء كان ناظر وقف أو وصيا أو مودعا وصرحوا أنه الذى يموت ولم يبين حال ما بيده من المال، فان كان مودعا مثلا كان هو الذى لم يبين حالى الوديعة ومقرها وهل هى موجودة أو مفقودة، وهل فقدت باهماله أو بسبب قاهر ونحو ذلك مما يتعلق بها، وشرطوا فى كون غير المبين مجهلا أن لا يكون عالما بأن وارثه يعلم تلك الحال التى وصفنا، فإن كان المودع يعلم أن الوارث يعرف حال المال الذى عنده وصاحب الوديعة يعرف كذلك أن الوارث يعلم ولم يبين باللفظ لم يعد مجهلا، لأنه لا داعى إلى البيان فيكون سكوته اعتمادا على علم الوارث وعلم صاحب الوديعة، فان كان من بيده المال قد جرى فى تصرفه أيام حياته على طريقة توجب علم الوارث بحال المال الذى عنده وصاحب الوديعة أو من يخلف الميت على مال اليتيم أو الوقف يعلم أن تلك الطريقة موجبة لعلم الوارث بما يجرى فى المال من صرف وحفظ أو ضياع فلا ريب أنه لا يسمى مجهلا ولا يجرى عليه حكم المجهل بل يعتبر مبينا بل أشد الناس حرصا على البيان، وقد جرى العرف قديما وحديثا على أن الكتابة على شروطها المعروفة من أفضل أنواع البيان خصوصا الصكوك والوصول والدفاتر، فقد صرح الفقهاء بأن هذه الأنواع من المحررات حجة على صاحب الخط أو الختم فى حياته وبعد موته متى لم تكن شبهة فى نسبتها إليه، وقد عظم الاعتماد على الكتابة وإفادتها العلم فى زماننا هذا حتى كاد يهمل العمل بالقول المجرد عنها إلا فى بعض الشئون أما فى أعمال الدوائر ومعرفة ما يرد وما يصرف من الأموال فلم يبق طريق للعلم سواها، فإن كان متولى الوقف فى حال حياته يعتمد فى بيان ما يدخل فى يده من مال الوقف وما يصرفه فى وجوهه وما يبقى فى ذمته على الدفاتر والصكوك والوصول فلا شك فى أنه على ثقة من كون الوارث يعلم ذلك كله بالاطلاع على ما يكتبه أو يختمه، فإذا مات مات عالما بأن الوارث يعلم ذلك وعالما بأن المستحق ومن يتولى الوقف بعده يعلمان بعلم الوارث به بل ويعلمان أن هذه هى طريقة علمهما أنفسهما. وما يذكره الفقهاء فى حال المجهل لا ينطبق على من يجرى فى معاملاته على هذه الطريقة وإلا لم يبق مبين فى هذا الزمان وحل للورثة ما دخل عليهم من مال الأوقاف والأيتام، إذ لا يخطر ببال من ضبط الريع وما أنفق منه فى دفتر أن يحصر ما ورد وما صرف وينطق بلفظ وبقى فى ذمتى كذا لاعتماده على أن ذلك كله قد أحصى فى وقته وسيصل إلى أيدى الوارث ومن يتول الوقف بعد موته، وهذا من البديهات التى لم تكن تحتاج إلى البيان لولا خفاء البديهات على بعض من يزعم أن الشرع الإسلامى ينكر من طرق العلم ما اتفق عليه الناس أجمعون، وبعد ما تبين معنى المجهل والمبين ظهر أن ناظر الوقف فى حادثنا لا يعد مجهلا، وأن ما وجد من الصكوك والوصول والدفاتر يعد حجة عليه، فما ثبت بها أنه ورد من الريع يعتبر واردا داخلا فى يده وما ثبت بها أنه صرف فهو ما خرج من يده وما عدا ذلك فهو الباقى فى يده إلى موته فيؤخذ من التركة لا محالة، ثم لو فرض أن الناظر مات بجهلا فى حادثة مثل حادثتنا ولم يكن فيها بيان بالطريقة المتقدمة لم يكن حكم عدم الضمان بل إن كان الريع مشروطا لمستحقين فغلة الوقف مملوكة لهم وهى فى يده وديعة فيضمنها بلا نزاع، وإن كان الواقف قد عين مصارف ولم يصرف الناظر فيها مخالفا شرط الواقف كما فيما خصص للعمارة والترميم وتكملة الناقص ولم يصرف فى وجوهه فالشأن فيه الضمان كذلك، لأنه قد حفظ المال تحت يده وديعة إلى أن يصرف فى وجهه وليس بمأذون أن يصرفه فى غير وجهه، أما ما ذكروه فى مسألة الناظر على مسجد وأنه لا يضمن لو مات مجهلا فمرادهم من يكون ناظرا على صرف ما تقوم به الشعائر وهو مأذون فيه فيحتمل أنه صرفه فلو كان حيا صدق فى أنه صرفه بيمينه، ولو مات مجهلا لا يضمن لاعتباره كأنه صرفه أما من يخالف شرط الواقف كما فى حادثتنا فلا يقبل منه قول فيما صرفه إلا ببيان، وعلى ذلك يكون حال ورثته، فالناظر فى حادثتنا ضامن على كل حال خصوصا إن كان يغمز عليه فى سيرته ولا يحمد الناس عفته واستقامة حاله، أما المستحقون فما داموا يأخذون مما يستحقون ويقيد لهم فى دفاتر الحساب ما يصرف وما يبقى فلا يسقط حقهم فيما بقى مهما طال الزمان، لأن العمدة عندهم على الحساب وليس ما يوجب المحاسبة فى وقت دون وقت خصوصا إذا سبقت لهم مطالبة بالحساب وبيانه ولم يصدر من الناظر جحود لاستحقاقهم من أصله، وإنما وكل الأمر إلى ما هو مقيد فى صكوكه ودفاتره وأما الأوراق التى لا يوجد عليها إمضاء الناظر ولا ختمه وليست عليها نمرة توافق ما قبلها وما بعدها فقيها شبهة أنها ليست صادرة منه وإن قيدت فى الدفاتر فلا تعتبر حجة للناظر ما لم يقم دليل على أن ما احتوت عليه قد صرف حقيقة. والله أعلم
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |