عنوان الفتوى : جثو الزوج على ركبتيه في حفلة عروسه وتقبيل يدها.. رؤية شرعية أخلاقية
أثناء زفاف أحد أصدقائي قام صديقي بالجثو على ركبته وتقبيل يدها أثناء تلبيس الخاتم لزوجته، مما أثار الكثير من الحضور، فجعلوا هذا الموضوع شغلهم الشاغل، وحديثم المستمر لساعات وأيام، علمًا بأن صديقي أظهر من الاحترام والود لوالدته أكثر مما أظهر لزوجته، فانهال على والدته بالتقبيل من رأسها وحتى رجليها. أريد منكم -جزاكم الله خيرًا- توضيحًا في حكم ما فعله صديقي، وأريد منكم كلمة لهؤلاء الأشخاص الذين اغتابوا صديقي وتحدثوا عنه بالسوء لأيام بعد عرسه. وجزاكم الله خيرًا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الجثو على الركب كان من عادات العرب عند الخوف، أو تعظيم الأمر، أو التأدب للمجلوس له والخضوع له؛ قال ابن عطية عن الجثو: هيئة المذنب الخائف المعظم، وفي الحديث: «فجثا عمر على ركبتيه». اهـ.
والجثو على الركب جاء في عدة أحاديث، منها ما في مسند الإمام أحمد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "فإن دخل عليك أحد إلى البيت، فقم إلى المخدع، فإن دخل عليك المخدع فاجث على ركبتيك، وقل: بؤ بإثمي وإثمك، فتكون من أصحاب النار، وذلك جزاء الظالمين." حسنه الأرنؤوط.
وفعله بعض الصحابة بحضرة النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ ففي صحيح البخاري في قصة خصومة أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما-: فجعل وجه النبي -صلى الله عليه وسلم- يتمعر، حتى أشفق أبو بكر، فجثا على ركبتيه، فقال: يا رسول الله؛ والله أنا كنت أظلم، مرتين.
وقد كان هذا الفعل من طريقة بعض السلف في الجلوس بين يدي العلماء؛ ففي حلية الأولياء عن سفيان قال: كان عمرو -الملائي- إذا أتى الرجل من أهل العلم جثا على ركبتيه فيقول: علمني مما علمك الله، ويتأول قوله تعالى: قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا {الكهف:66}. وهذا كله يدل على جواز الجثو على الركب، وأنه غير ممنوع من حيث الأصل، فمجرد الجثو على الركبتين أو ركبة واحدة أمام الشخص لا حرج فيه إن لم يكن فيه تشبه بالكفار، أو أي محذور شرعي آخر.
لكن الجثو المذكور على نحو ما جاء في السؤال ليس من عادات المسلمين، وأغلب الظن أنه من عادات المشركين، وتشبه المسلم بهم لا يجوز، هذا بالإضافة إلى أن هذا التصرف لا يليق بالرجل الذي فضله الله تعالى، فقال عز من قائل: وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ {البقرة:228}.
وتقبيل اليد وارد في الأصل في حق العالم والسلطان والكبير والوالدين ونحوهم، وقد أوضحنا ذلك في الفتوى رقم: 13930. وأما تقبيل يد الزوجة: فإنه جائز في الأصل، ولكن يراعى فيه العرف إن كان يمنعه، كما بيّنّا في الفتوى رقم: 99042، وعلى تقدير عدم المنع منه فيقبح فعله أمام الناس.
ثم إننا ننبه إلى أنّ حفلات الزفاف التي يختلط فيها النساء والرجال الأجانب لا تجوز، وراجع الفتوى رقم: 9661.
والواجب على من شهد أمرًا محرمًا أن ينكر على صاحبه لا أن يتكلم عليه في غيبته، وراجع ضوابط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الفتوى رقم: 36372، ولا ريب أنّ الغيبة محرمة لكنّها تباح في بعض المواضع لمصلحة شرعية، وليس لمجرد التسلية، وانظر الفتوى رقم: 6710، والفتوى رقم: 6082.
والله أعلم.