عنوان الفتوى : السن الذي ينقطع به اليتم، ومسألة رشد اليتيم
شكلنا لجنة تحضيرية لشبكة اليتيم السوري والتي ستضم أغلب منظمات الأيتام في الداخل والخارج، وما أريده بالضبط هو: دراسة فقهية عن العمر الحقيقي لاعتبار اليتيم يتيما، والحد الأعلى للعمر، حيث إن العمر المعتمد في الأمم المتحدة ودول العالم هو ١٨ عاما، بينما المعتمد في المنظمات الإسلامية هو سن الرشد، والبعض قد أفتى أيضاً باكتمال الاعتماد على النفس، فما هو رأيكم وفتواكم ودليلكم؟ وإن أمكنت دراسة مبسطة حول ذلك، أطلب منك هذا باسم شبكة اليتيم السوري.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فبداية لا بد من تقرير أن اليتم ينتهي بالبلوغ، ولذلك عرف الفقهاء اليتيم بأنه من مات أبوه وهو دون البلوغ، كما في الموسوعة الفقهية، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يتم بعد احتلام. رواه أبو داود، وصححه الألباني، وبوَّب عليه أبو داود: باب ما جاء متى ينقطع اليتم.
قال المناوي في فيض القدير: أي لا يجري على البالغ حكم اليتيم... أشار إلى أن حكم اليتيم جار عليه قبل بلوغه من الحجر في ماله والنظر في مهماته وكفالته وإيوائه، فإذا احتلم وكانت حالة البلوغ، استقل ولا يسمى باليتيم. اهـ.
وقال ابن عثيمين في شرح رياض الصالحين: كفالة اليتيم هي القيام بما يصلحه في دينه ودنياه.. واليتيم حده البلوغ، فإذا بلغ الصبي زال عنه اليتم، وإذا كان قبل البلوغ فهو يتيم، هذا إن مات أبوه، وأما إذا ماتت أمه دون أبيه، فإنه ليس بيتيم. اهـ.
والبلوغ له علامات تدل عليه، بعضها مختلف فيه كظهور شعر العانة الذي يحتاج في إزالته إلى نحو حلق، وبعضها متفق عليه في الجملة في الذكر والأنثى، وهو خروج المني في يقظة أو منام لوقت إمكانه، وتختص الأنثى بالحيض والحمل، فإذا لم يحكم بالبلوغ لوجود بعض هذه العلامات، فإنه يرجع في الحكم به إلى السن، وتحديده محل خلاف بين أهل العلم، جاء في الموسوعة الفقهية: جعل الشارع البلوغ أمارة على أول كمال العقل، لأن الاطلاع على أول كمال العقل متعذر، فأقيم البلوغ مقامه، والبلوغ بالسن: يكون عند عدم وجود علامة من علامات البلوغ قبل ذلك، واختلف الفقهاء في سن البلوغ: فيرى الشافعية، والحنابلة، وأبو يوسف ومحمد من الحنفية: أن البلوغ بالسن يكون بتمام خمس عشرة سنة قمرية للذكر والأنثى، كما صرح الشافعية بأنها تحديدية، لخبر ابن عمر: عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد، وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني، ولم يرني بلغت، وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني، ورآني بلغت ـ قال الشافعي: رد النبي صلى الله عليه وسلم سبعة عشر من الصحابة، وهم أبناء أربع عشرة سنة، لأنه لم يرهم بلغوا، ثم عرضوا عليه وهم من أبناء خمس عشرة فأجازهم، منهم: زيد بن ثابت ورافع بن خديج وابن عمر، ويرى المالكية أن البلوغ يكون بتمام ثماني عشرة سنة، وقيل بالدخول فيها، وقد أورد الحطاب خمسة أقوال في المذهب، ففي رواية: ثمانية عشر، وقيل: سبعة عشر، وزاد بعض شراح الرسالة: ستة عشر، وتسعة عشر، وروي عن ابن وهب خمسة عشر، لحديث ابن عمر السابق، ويرى أبو حنيفة: أن البلوغ بالسن للغلام هو بلوغه ثماني عشرة سنة، والجارية سبع عشرة سنة، لقوله تعالى: ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده ـ قال ابن عباس رضي الله عنه: الأشد ثماني عشرة سنة، وهي أقل ما قيل فيه، فأخذ به احتياطا، هذا أشد الصبي، والأنثى أسرع بلوغا فنقصت سنة. اهـ.
وراجع لمزيد الفائدة الفتاوى التالية أرقامها: 254776، 21240، 74328.
وننبه هنا على أن مسألة السن الذي ينقطع به اليتم، تختلف عن مسألة رشد اليتيم بحيث يجب على وليه أن يدفع إليه ماله، كما يدل عليه قوله تعالى: وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ {النساء: 6}.
قال السعدي: الابتلاء: هو الاختبار والامتحان، وذلك بأن يدفع لليتيم المقارب للرشد، الممكن رشده، شيئا من ماله ويتصرف فيه التصرف اللائق بحاله، فيتبين بذلك رشده من سفهه، فإن استمر غير محسن للتصرف لم يدفع إليه ماله، بل هو باق على سفهه، ولو بلغ عمرا كثيرا، فإن تبين رشده وصلاحه في ماله وبلغ النكاح: فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ـ كاملة موفرة. اهـ.
وعلى ذلك يحمل ما رواه مسلم في صحيحه: أن نجدة بن عامر الحروري كتب إلى ابن عباس يسأله عن اليتيم متى ينقطع عنه اليتم؟ فأرسل إليه ابن عباس: كتبت تسألني عن اليتيم متى ينقطع عنه اسم اليتم؟ وإنه لا ينقطع عنه اسم اليتم حتى يبلغ ويؤنس منه رشد ـ وفي رواية: كتبت تسألني: متى ينقضي يتم اليتيم؟ فلعمري إن الرجل لتنبت لحيته وإنه لضعيف الأخذ لنفسه، ضعيف العطاء منها، فإذا أخذ لنفسه من صالح ما يأخذ الناس، فقد ذهب عنه اليتم.
قال النووي في شرح مسلم: معنى هذا: متى ينقضي حكم اليتم ويستقل بالتصرف في ماله، وأما نفس اليتم فينقضي بالبلوغ، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يتم بعد الحلم ـ وفي هذا دليل للشافعي ومالك وجماهير العلماء أن حكم اليتم لا ينقطع بمجرد البلوغ ولا بعلو السن، بل لا بد أن يظهر منه الرشد في دينه وماله، وقال أبو حنيفة: إذا بلغ خمسا وعشرين سنة زال عنه حكم الصبيان وصار رشيدا يتصرف في ماله، ويجب تسليمه إليه وإن كان غير ضابط له. اهـ.
والله أعلم.