عنوان الفتوى : حديث : " بطلة الإيثار " باطل مكذوب .

مدة قراءة السؤال : 3 دقائق

ما صحة قصة " بطلـــة الإيثــار " وهي قصة حصلت لفاطمة رضي الله عنها وعلي بن أبي طالب وأبنائهما ، ومما جاء فيها ( صنعت الزهراء منه خمسة أقراص من الخبز ، وانتهى النهار ، وجلسوا ليأكلوا ، وتماماً في الوقت الذي أرادوا الأكل سمعوا صوتاً من وراء الباب يقول : السلام عليكم يا أهل بيت النبوَّة ، إني مسكين من مساكين المدينة ، وجائع ، فأعطوني ، فأخذ الإمام أمير المؤمنين رغيفه ، وتبعته فاطمة ثم الحسن والحسين (ع) وحتى فضة ، أخذوا أرغفتهم الخمسة وأعطوها للمسكين ، ثم أفطروا بالماء القراح ، وشكروا اللـه ، وفي اليوم الثاني ، كان الوقت عند الإفطار ، وكانت فاطمة قد صنعت خمسة أرغفة أيضاً ، وكانوا قد أرادوا الإفطار فجاء يتيم ، وطلب منهم طعاماً ؛ فقدم كل منهم رغيفه ، وأفطروا بالماء ، وحمدوا اللـه ، وجاءت الليلة الثالثة ، وجاء دور الأسير ، ففي نفس الوقت أي عند الإفطار طلب منهم الأسير ، وأعطوه الأرغفة وباتوا جياعاً لثلاثة أيام وليال كاملة ، والمفروض أنَّ ثروة هذه الأسرة ، كانت لا تتجاوز ثلاثة أَصْاعٍ من الشعير ، وها هي قد تمت .. وقد صاموا ثلاثة أيام بلياليها ، غير شربة من ماء أفطروا عليها فقط ، ولما جاء الرسول لزيارتهم ، وشاهد الحسنين يرتجفان جوعاً ، وفاطمة عليها السلام قد اشتد بها الضعف ، والإمام وفضة ، كلاًّ منهما قد أثر فيه الجوع أثراً بليغاً ، قال الرسول حينذاك : ( واغوثاه باللـه أهل بيت محمد يموتون من الجوع ) وهاهنا نزلت عليه سورة [ هَلْ أَتَى الإنسان ] (الإِنسَان/1 ) في حق أهل البيت ، وجاءت فيها الآيات التالية : ( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللـه لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلاَ شُكُوراً إِنَّا نَخَافُ مِن رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً فَوَقَاهُمُ اللـه شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً ) الإِنسَان/7-11 ، وهكــــذا ضربت فاطمة الزهراء عليها السلام وبعلها وابناها وحتى خادمتها ، مثلاً رائعــــاً للايثـار ، وأخــــذت أسرتها مدالاً عظيماً من ربهم على ذلك ؟

مدة قراءة الإجابة : 7 دقائق

الجواب : 

الحمد لله

الحديث المذكور حديث باطل مكذوب باتفاق أهل المعرفة بالحديث . 

وقد ذكره الحكيم الترمذي في "نوادر الأصول" (1/244) ، فقال :

"وَمن الحَدِيث الَّذِي يُنكره قُلُوب المحقين ؛ مَا رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا فِي قَوْله عز وَجل ( يُوفونَ بِالنذرِ) الْآيَات ، قَالَ مرض الْحسن وَالْحُسَيْن فَعَادَهُمَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وعادهما عمومة الْعَرَب ، فَقَالُوا : يَا أَبَا الْحسن لَو نذرت على ولديك نذرًا وكل نذر لَيْسَ لَهُ وَفَاء فَلَيْسَ بِشَيْء ، فَقَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ : إِن برأَ ولداي صمت لله ثَلَاثَة أَيَّام شكرًا . وَقَالَت جَارِيَة لَهُم -ثويبة-: إِن برأَ سيداي صمت لله تَعَالَى ثَلَاثَة أَيَّام شكرا . وَقَالَت فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا مثل ذَلِك . 

فألبس الغلامان الْعَافِيَة ، وَلَيْسَ عِنْد آل مُحَمَّد قَلِيل وَلَا كثير ، فَانْطَلق عَليّ رَضِي الله عَنهُ إِلَى شَمْعُون الْيَهُودِيّ الْخَيْبَرِيّ فَاسْتقْرض مِنْهُ ثَلَاثَة أصوع من شعير ، فجَاء بِهِ فَوَضعه فِي نَاحيَة الْبَيْت ، فَقَامَتْ فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا إِلَى صَاع فطحنته واختبزته ، وَصلى عَليّ مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ أَتَى الْمنزل ، فَلَمَّا وضع الطَّعَام بَين يَدَيْهِ أَتَاهُم مِسْكين ، فَقَالَ : السَّلَام عَلَيْكُم أهل بَيت مُحَمَّد ، أَطْعمُونِي أطْعمكُم الله على مَوَائِد الْجنَّة ، فَسَمعهُ عَليّ رَضِي الله عَنهُ ، فَأَنْشَأَ أبياتا لفاطمة رَضِي الله عَنْهَا ، وأنشأت فَاطِمَة أبياتا لَهُ ، فأطعموه الطَّعَام ومكثوا يومهم وليلتهم لم يَذُوقُوا شَيْئا إِلَّا المَاء القراح .

وَفِي الْيَوْم الثَّانِي قَامَت إِلَى صَاع فاختبزته ، فَوقف بِالْبَابِ يَتِيم فَأَنْشَأَ عَليّ كرم الله وَجهه أبياتا ، وأنشأت فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا أبياتا ، فَأَعْطوهُ الطَّعَام ومكثوا يَوْمَيْنِ وليلتين لم يَذُوقُوا شَيْئا إِلَّا المَاء . 

فَلَمَّا أَن كَانَ الْيَوْم الثَّالِث ، قَامَت إِلَى الصَّاع الْبَاقِي فطحنته وأختبزته ، فَوقف بِالْبَابِ أَسِير استطعم أهل بَيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ؛ فَأَنْشَأَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ أبياتا وأنشأت فَاطِمَة رَضِي الله عَنْهَا أبياتا ، فَأَعْطوهُ الطَّعَام ومكثوا ثَلَاثَة أَيَّام ولياليها لم يَذُوقُوا شَيْئا إِلَّا المَاء القراح .

فَلَمَّا أَن كَانَ الْيَوْم الرَّابِع وَقد قضى الله النّذر ، أَخذ عَليّ بِيَدِهِ الْيُمْنَى الْحسن وَبِيَدِهِ الْيُسْرَى الْحُسَيْن ، وَأَقْبل نَحْو رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ، وهم يَرْتَعِشُونَ كالفراخ من شدَّة الْجُوع فَلَمَّا أبصرهم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ : يَا أَبَا الْحسن مَا أَشد مَا أرى بكم ، انْطلق بِنَا إِلَى ابْنَتي فَاطِمَة فَانْطَلقُوا إِلَيْهَا وَهِي فِي مِحْرَابهَا قد لصق بَطنهَا بظهرها وَغَارَتْ عَيناهَا من شدَّة الْجُوع ،  فَلَمَّا أَن رَآهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعرف المجاعة فِي وَجههَا بَكَى ، فَقَالَ :  واغوثاه ! أهل بَيت مُحَمَّد يموتون جوعًا  فهبط جبرئيل عَلَيْهِ السَّلَام فَقَالَ : السَّلَام يُقْرِئك السَّلَام ، يَا مُحَمَّد خُذ هَنِيئًا فِي أهل بَيْتك فَأَقْرَأهُ ( يُوفونَ بِالنذرِ ) إِلَى قَوْله ( جَزَاء وَلَا شكُورًا )  " انتهى .

ثم قال الحكيم الترمذي بعد ذكر الحديث :

" هَذَا حَدِيث مُزَوَّق ، وَقد تطرف فِيهِ صَاحبه حَتَّى يشبه على المستمعين ، وَالْجَاهِل يعَض على شَفَتَيْه تلهفًا أَلا يكون بِهَذِهِ الصّفة ، وَلَا يدْرِي أَن صَاحب هَذَا الْفِعْل مَذْمُوم ، قَالَ الله تَعَالَى فِي تَنْزِيله الْكَرِيم ( ويسألونك مَاذَا يُنْفقُونَ قل الْعَفو ) وَهُوَ الْفضل الَّذِي يفضل عَن نَفسك وَعِيَالك ، وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم : ( خير الصَّدَقَة مَا كَانَ عَن ظهر غنى ، وابدأ بِنَفْسِك ثمَّ بِمن تعول ) ، وافترض الله تَعَالَى على الْأزْوَاج النَّفَقَة لأهاليهم وَأَوْلَادهمْ ، وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم : ( كفى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَن يضيع من يقوت ) .

أفيحسب عَاقلٌ أَن عليًّا رَضِي الله عَنهُ جهل هَذَا الْأَمر حَتَّى أجهد صبيانا صغَارًا من أَبنَاء خمس أَو سِتّ على جوع ثَلَاثَة أَيَّام ولياليها ، حَتَّى تضرروا من الْجُوع وَغَارَتْ الْعُيُون فيهم ، لخلاء أَجْوَافهم ، حَتَّى أبكى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا بهم من الْجهد!

هَب أَنه آثر على نَفسه هَذَا السَّائِل ، فَهَل كَانَ يجوز لَهُ أَن يحمل على أطفاله جوع ثَلَاثَة أَيَّام بلياليهن  ؟!

مَا يروج هَذَا إِلَّا على حمقى جهال ، أَبى الله لقلوب منتبهة أَن تظن بعلي رَضِي الله عَنهُ مثل هَذَا ، وليت شعري من حفظ هَذِه الأبيات كل لَيْلَة عَن عَليّ وَفَاطِمَة رضوَان الله عَلَيْهِمَا ، وَإجَابَة كل مِنْهُمَا صَاحبه ، حَتَّى أَدَّاهُ إِلَى هَؤُلَاءِ الروَاة ؟!

فَهَذَا وأشباهه : عامتها مفتعلة " انتهى من "نوادر الأصول في أحاديث الرسول" (1/ 246).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : " هذا الحديث من الكذب الموضوع باتفاق أهل المعرفة بالحديث ، الذين هم أئمة هذا الشأن وحكامه " انتهى من "منهاج السنة النبوية" (7/ 177) .

وذكره السيوطي في " اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة " (1/341).

والله أعلم .

أسئلة متعلقة أخري
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي...