عنوان الفتوى : حول قوله تعالى: (وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ)

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

قال تعالى (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) الأحزاب/33، ما الإعجاز اللغوى لاستخدام حرف الجر (في) بدلا من (الباء) أو بدلا من (داخل)؟

مدة قراءة الإجابة : 10 دقائق

الحمد لله  

أولًا :

( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ) الأحزاب/ 33 .

اختلف القراء في قراءة هذه الكلمة ( وقرن ) ،  فقرأ المدنيان ، وعاصم بفتح القاف ، وقرأ الباقون بكسرها .

انظر : "النشر" ، لابن الجزري (2/ 348).

ومعناهما:

1- فعلى قراءة الفتح ( وقَرن ) ، قيل أصلها : واقررن في بيوتكن ، وكأن من قرأ ذلك كذلك حذف الراء الأولى من أقررن ، وهي مفتوحة ، ثم نقلها إلى القاف.

2- وعلى قراءة الكسر ( وقِرن ) ، من الوقار ، على معنى: كُنّ أهل وقار وسكينة في بيوتكن؛ يقال: وقَر فلان في منزله، فهو يقِر وُقورا، فتكسر القاف في تفعل؛ فإذا أمر منه قيل: قر، كما يقال من وزن: يزن زن، ومن وعد: يعد عد.

انظر : "تفسير الطبري" (19/ 96).

قال " الماوردي " في " النكت والعيون " (4/ 399):

" قوله عز وجل: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ قرئت على وجهين: أحدهما: بفتح القاف ، قرأه نافع وعاصم ، وتأويلها اقررن في بيوتكن ، من القرار في مكان . الثاني: بكسر القاف: قرأها الباقون , وتأويلها كن أهل وقار وسكينة "، انتهى.

وفي "التفسير الوسيط"، لمجمع البحوث الإسلامية (8/179):

"وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ: أَمر من قَرَّ يَقَرُّ على لغة أهل الحجاز من باب عَلِم يعلم، دخلت عليه واو العطف وأَصله: واقررْن فخفف بحذف الراء الأُولى، وحذف ألف الوصل بعد تحريك القاف، وهو من القرار في المكان بمعنى الثبوت فيه، كما قاله أَبو حيان في البحر.

وفتحُ القافِ في (قَرْنَ) قراءَة حفصٍ، وقرأَ الجمهور بكسرها (وقِرْنَ) وهو من الوقار، وفعله وَقِر يقِرُ، والأَمر منه للنسوة (قِرْنَ) بكسر القاف، والواو قبله للعطف، وأما واوه فقد حذفت كقولك (عِدْ) في وَعد." انتهى.

وانظر تفصيل الكلام في الفعل، وتصريفه في : "الكشف عن وجوه القراءات السبع" لمكي بن طالب (2/197-198)، "التفسير البسيط" للواحدي (18/219-221)، "فتح القدير"، للشوكاني (4/319).

قال " القرطبي " في " الجامع لأحكام القرآن " (14/ 179): " معنى هذه الآية: الأمر بلزوم البيت، وإن كان الخطاب لنساء النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقد دخل غيرهن فيه بالمعنى.

هذا لو لم يرد دليل يخص جميع النساء، كيف والشريعة طافحة بلزوم النساء بيوتهن، والانكفاف عن الخروج منها إلا لضرورة، على ما تقدم في غير موضع.

فأمر الله تعالى نساء النبي صلى الله عليه وسلم بملازمة بيوتهن، وخاطبهن بذلك تشريفا لهن، ونهاهن عن التبرج " ، انتهى .

وجاء في "التفسير الوسيط" (8/182):

"أمر الله - تعالى - نساءَ نبيه أَن يقررن، ويلزمن بيوتهن، ونهاهن عن التبرج، وهو كما قال مجاهد وقتادة وابن أبي نجيح: أَن تلقى المرأَة خمارها على رأَسها، وَلا تشده فيوارى قلائدها وقرطها وعنقها، ويبدو ذلك كله منها، وقال أبو عبيدة: التبرج أَن تبدى المرأة من محاسنها ما تستدعى به شهوة الرجال، وأَصله كما قال أبو حيان: من البَرَج وهو سعة العين وحسنها، ويقال: طعنة بَرْجاءُ، أي: واسعة.

ولهذا قال الليث في معناه: تبرجت المرأَة إذا أبدت محاسنها من وجهها وجسدها، ويُرَى مع ذلك من عينها حُسْنُ نظر...

وهذا الحكم لا تختص به نساءُ النبي - صلى الله عليه وسلم - فكل نساءِ المؤمنين مأْمورات بالتصون والاحتشام، والشريعة مليئة بلزوم النساء البيوت، والكف عن الخروج إلاَّ لضرورة وإنما خص نساءَ النبي - صلى الله عليه وسلم - بالخطاب تشريفًا لهن، لأَنهن قدوة لسواهن.

قال ابن العربي: لقد دخلتُ نَيِّفًا على أَلف قرية، فما رأيت نساءً أصون عيالًا، ولا أَعف نساءً من نساءٍ نابلس، التي رُمى بها الخليل - صلى الله عليه وسلم - بالنار، فإني أقمت فيها، فما رأيت امرأة في طريق نهارًا إلاَّ يوم الجمعة، فإنهن يخرجن إليها حتى يمتلئ المسجد منهن، فإذا قضيت الصلاة ورجعن إلى منازلهن، لم تقع عيني على واحدة منهن إلى الجمعة الأخرى، وقد رأيت بالمسجد الأقصى عفائف ما خرجن من معتكَفِهن حتى استشهدن فيه. اهـ. فليعتبر نساءُ عصرنا بهذا السلف الصالح.

والمعنى الإجمالي للآية: "والْزَمْن بيوتكن يا نساءَ النبي، ولا تظهرن محاسنكن للأجانب كما كان يفعل نساءُ الجاهلية قبل الإِسلام. وأَدِّين الصلاة بأَركانها وشروطها، وأعطين الزكاة لأَصحابها، وأطعن الله ورسوله فيما يأمركن به وينهاكن عنه.

ما يريد الله بما كلفكُنَّ به، إلا أن يذهب عنكم الذنب المدنس لعرضكم، يا أهل بيت النبي، ويطهركم منه تطهيرًا يليق بمكانة رسوله..." انتهى.

ثانيًا :

ليس في مجرد استعمال حرف الجر (في) مع الفعل (وقر) وأمر النساء منه أن : (يقررن في بيوتهن)؛ ليس في مجرد ذلك شيء من الإعجاز، ولا وجه من وجوهه المعروفة عند أهل العلم ، ولم يشر أحد من أهل العلم إلى شيء من ذلك، لا من قريب ولا من بعيد ؛ فإن هذا من معهود اللغة ، واستعمالها الفصيح الشهير: أن يقال (وقَرَ) فلان في المكان، أو (وقر) الشيء في المكان، أي: سكن فيه.

جاء في كتاب "الأفعال" للسرقسطي (4/240): " وقَرَ الشيء في القلب: تمكن " انتهى.

ومنه ما جاء في الأثر: لَمْ يَفْضُلْكُم أَبُو بَكْرٍ بكَثْرة صَومٍ وَلَا صَلَاةٍ، وَلَكِنَّهُ بِشَيْءٍ وَقَرَ فِي الْقَلْبِ وَفِي رِوَايَةٍ لِسرّ وقَرَ فِي صَدْره، أَيْ سَكَن فِيهِ وثَبَت، مِنَ الوَقارِ: الْحِلْمُ والرَّزانة.".

"النهاية في غريب الحديث والأثر" لابن الأثير (5/213).

وينبغي أن يفرق بين وجه الإعجاز في الآية، أو السورة ، أو نحو ذلك ، مما يتحقق فيه إعجاز القرآن، وبين النكتة البلاغية، والفائدة المستنبطة، واللطيفة التي قد تستنبط من استعمال كلمة مكان كلمة، ولفظة بدلا من أختها؛ ومثل هذا لا يقال فيه إنه من "الإعجاز"، بالمعنى الاصطلاحي الذي "يعجز" البشر عن أن يأتوا بمثله؛ وهذا أمر ليس حاصلا في الكلمة المذكورة، بل هو استعمال معروف في لغة العرب، كما ذكرنا.

وينظر للفائدة جواب السؤال رقم: (258415)، ورقم : (246191) .

وقد سبق الإشارة إلى أن ترك المرأة لقرارها في بيتها، وسكونها، وتمكنها فيه: هو من جملة أفعال أهل الجاهلية، ونسائها، التي نهيت عن مثلها: نساء المؤمنات؛ فليعتبر العاقل، ولينتبه الفطن إلى مثل ذلك التنفير عن الفعل القبيح، من ترك الحجاب، وترك النساء للقرار في بيوتهن!!

​والله أعلم.