عنوان الفتوى : مدى ثبوت الخبر الظني في الشرع والمعتقد
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد دلت الأدلة الشرعية على أن المسلم متعبد بما دلت عليه آيات القرآن وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم من عقائد وعبادات ومعاملات وغيرها، دون تفريق بين ما هو ظني الدلالة أو قطعيها، بل لا يشترط في الأحاديث أن تكون قطعية الثبوت.
وقد ذهب فريق من المتكلمين إلى أن أدلة العقائد لا بد أن تفيد اليقين، فلا يؤخذ فيها إلا بما هو قطعي الثبوت والدلالة، واحتجوا على ذلك بأن الأدلة الظنية لا تفيد إلا الظن، والظن لا يجوز أن يُحتج به في مجال العقائد؛ لقوله تعالى: إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ [النجم:23].
وقوله تعالى: إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً [النجم:28].
ونحو ذلك من الآيات التي يذم الله فيها المشركين لاتباعهم الظن، واحتجاجهم بهذه الآيات وأمثالها مردود؛ لأن الظن في الآيات ليس هو الظن الذي عنوه، فإن النصوص التي ردوها ورفضوا الاحتجاج بها في مسائل العقيدة تفيد الظن الراجح، والظن الذي ذمه الله في قوله: إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ الشك الذي هو الخرص والتخمين، فقد جاء في النهاية واللسان وغيرهما: الظن: الشك يعرض لك في الشيء فتتحققه وتحكم به. فهذا هو الظن الذي نهاه الله على المشركين، ومما يؤكد ذلك قولُ الله فيهم: إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ [الأنعام:116].
أما الظن الراجح فليس داخلاً في ذلك، وإلا للزم أن تكون أدلة الشرع كلها قطعية، وليس كذلك باتفاق، فأكثر الأدلة الشرعية ظنية الدلالة أو الثبوت أو الدلالة والثبوت معاً، ولم يتوقف الصحابة أو التابعون في الأخذ بها في العقائد وغيرها.
وقد لخص ابن عبد البر رحمه الله مذاهب الأئمة في ذلك بقوله: وكلهم يدين بخبر الواحد العدل في الاعتقادات، ويعادي ويوالي عليها، ويجعلها شرعاً وديناً في معتقده، وعلى ذلك جماعة أهل السنة. انتهى
ولمزيد من التفصيل راجع الفتوى رقم:
6906 - والفتوى رقم: 14050.
والله أعلم.