عنوان الفتوى : استعمال (لو) أحوال الجواز والتحريم، وحكم قول: إن شاء الله، وسب المرض
1-متى يكون قول كلمة: "لو" في أي حالة، فقد قرأت على موقعكم، ولكن كل ما فهمته هو أنه لا يجوز أن أقول كلمة: "لو" في أمور حصلت في الماضي. فهل هذا يعني أنه لا يجوز قول كلمة: "لو" في أمور حصلت في الماضي فقط، أم إن هناك حالات أخرى؟ وهل الندامة على شيء في الماضي، كقول: يا ليتني حفظت القرآن الكريم في الصغر. هل هذا حرام؟ وإن كان جائزا مثلا فهل إذا ضفنا عليها كلمة: يا ليتني حفظت القرآن الكريم في الصغر، لكنت عالما به. هل أصبحت حراما؟ وهل إذا قلت: " لو" واستعملتها في الماضي بسبب تعودي عليها، أو إذا نسيت. فهل أنا آثم؟ وكذلك الندامة، مع العلم أنني أريد أن لا أقولها، وأحاول أن أتذكر، وأبتعد عنها. 2-أنا أقول -إن شاء الله- في كثير من الأمور، ولكن أقولها بمعنى عدم التأكيد للأمر الذي سوف أقوم به. فهل هذا يجوز؟ مثلا ذهبت إلى العمرة، فقال لي أحد أصحابي: ادع لي، فقلت له: إن شاء الله، ولكنني قلتها بمعنى أنه ليس للتأكيد، يعني ليس مؤكدا أن أدعو له، فأنا أستعملها كثيرا في أمور كهذه، وأحيانا أقولها في المزاح، وليس استهزاء، ولكن مثلا قال لي أحد أصحابي شيء فيه ضحك، فقلت له: إن شاء الله. فهل هذا جائز؟ وإن لم يكن جائزا، وعدت وقلتها بسبب تعودي عليها، أو إذا نسيت. فهل أنا آثم، مع العلم أنني أرى أن لا أقولها، وأريد الابتعاد عنها إذا كانت حراما؟ وإذا كانت حراما، وجاهدت نفسي على الابتعاد عنها، ولكنني نسيت وقلتها، أو قلتها لأنني متعود عليها. فهل أنا آثم؟ 3-هل سب المرض كفر أو جائز كقول: هذا المرض اللعين؟ وإن كان كفرا فهل أكفر أم لأنني لا أعلم، لا أعد قد كفرت؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن لو تستعمل للتمني، ومثلها: ليت. وحكم استعمال لو، وليت في التمني، تابع لنوع التمني إن كان خيراً، فخير، وإن كان شراً، فشر، فيجوز تمني حفظ القرآن، وغيره من أعمال الخير، ويحرم تمني أفعال الشر. وقد دل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: إنما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالاً، وعلماً، فهو يتقي فيه ربه، ويصل فيه رحمه، ويعلم لله فيه حقاً، فهذا بأفضل المنازل. وعبد رزقه الله علماً، ولم يرزقه مالاً، فهو صادق النية، يقول: لو أن لي مالاً لعملت بعمل فلان، فهو نيته، فأجرهما سواء. وعبد رزقه الله مالاً، ولم يرزقه علماً، فهو يخبط في ماله بغير علم، لا يتقي فيه ربه، ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم لله فيه حقاً، فهذا بأخبث المنازل. وعبد لم يرزقه الله مالاً، ولا علماً، فهو يقول: لو أن لي مالاً لعملت فيه بعمل فلان، فهو نيته، فوزرهما سواء. قال: الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، ورواه ابن ماجه وأحمد.
وقد تستعمل لو في غير التمني، فيحرم استعمالها في الاعتراض على الشرع ، كقول المنافقين: لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا {آل عمران: 168}.
وتحرم في الاعتراض على القدر أيضاً، كقوله تعالى: لوْ كَانُواْ عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ {آل عمران: 156}.
ويحرم قولها في الاحتجاج بالقدر على المعصية، كقول المشركين: لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا {الأنعام: 148}. وقولهم: وَقَالُوا لَوْ شَاء الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُم {الزخرف: 20}.
ويجوز قولها في الخبر المحض، كقول النبي صلى الله عليه وسلم: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدى. متفق عليه عن جابر. اهـ بتصرف من شرح الشيخ ابن عثيمين لكتاب التوحيد.
ومن استعمالاتها الجائزة ما ذكر القاضي عياض في مشارق الأنوار على صحاح الآثار حيث قال: اعلم أن لو تأتي غالبا في كلام العرب لامتناع الشيء، لامتناع غيره كقوله: لو كنت راجما بغير بينة، رجمتها. ولو تأخر لزدتكم. ولو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولحللت. وقد تأتي بمعنى إن كقوله تعالى: ولو أعجبتكم. وعليه يتأول الحديث: لو كنت تريد أن تصيب السنة، فأقصر الخطبة. وتأتي للتقليل كقوله: ولو بشق تمرة، والتمس ولو خاتما من حديد. وتأتي لو بمعنى هلا كقوله: لو شئت لاتخذت عليه أجرا. قال الداودي: معناه هلا اتخذت، وهذا التفات إلى المعنى لا إلى اللفظ. ولو ليست بمعنى هلا، وإنما تلك لولا، وقوله أن لو تفتح عمل الشيطان، أي أن قولها واعتياد معناها يظهر الطعن على القدر، ويفضي بالعبد إلى ترك الرضى بما أراده الله؛ لأن القدر إذا ظهر بما يكره العبد، قال لو فعلت كذا لم يكن كذا، وقد مر في علم الله أنه لا يفعل إلا ما فعل، ولا يكون إلا الذي كان. اهـ
وقال ابن دقيق العيد في إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام: وقوله صلى الله عليه وسلم: "لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت" فيه أمران:
أحدهما: جواز استعمال لفظة لو في بعض المواضع، وإن كان قد ورد فيها ما يقتضي خلاف ذلك، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "فإن لو تفتح عمل الشيطان" وقد قيل في الجمع بينهما إن كراهتها في استعمالها في التلهف على أمور الدنيا، إما طلبا كما يقال: لو فعلت كذا حصل لي كذا، وإما هربا كقوله: لو كان كذا لما وقع لي كذا وكذا؛ لما في ذلك من صورة عدم التوكل في نسبة الأفعال إلى القضاء والقدر، وأما إذا استعملت في تمني القربات، كما جاء في هذا الحديث فلا كراهة في هذا، أو ما يقرب منه. اهـ.
ونقل ابن حجر في الفتح عن القرطبي أنه قال في المفهم: محل النهي عن إطلاقها ـ يعني لو ـ إنما هو فيما إذا أطلقت معارضة للقدر، مع اعتقاد أن ذلك المانع لو ارتفع لوقع خلاف المقدور؛ لا ما إذا أخبر بالمانع على جهة أن يتعلق به فائدة في المستقبل، فإن مثل هذا لا يختلف في جواز إطلاقه، وليس فيه فتح لعمل الشيطان، ولا ما يفضي إلى تحريم. اهـ
وقال النووي في شرح مسلم: أما من قالها تأسفا على ما فات من طاعة الله تعالى، أو ما هو متعذر عليه من ذلك ونحو هذا، فلا بأس به. وعليه يحمل أكثر الاستعمال الموجود في الأحاديث. والله أعلم. اهـ.
وبناء عليه نقول: إن كان استعمال (لو) في لوم النفس على تفويت أمر محمود، فلا بأس بذلك، وإن كان على تفويت أمر غير محمود، فإنه داخل في النهي.
قال العيني في عمدة القاري شرح صحيح البخاري عند شرحه لحديث: قال سليمان بن داود عليهما السلام: لأطوفن الليلة على مائة امرأة، أو تسع وتسعين كلهن يأتي بفارس يجاهد في سبيل الله، فقال له صاحبه: قل إن شاء الله، فلم يقل إن شاء الله، فلم يحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل، والذي نفس محمد بيده؛ لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرسانا أجمعون: وفيه دلالة على جواز قوله لو، ولولا بعد وقوع المقدور، وقد جاء في القرآن كثير من ذلك، وفي كلام الصحابة والسلف، وسيأتي ترجمة البخاري: هذا باب ما يجوز من اللو، وأما النهي عن ذلك، وأنها تفتح عمل الشيطان، فمحمول على من يقول ذلك معتمدا على الأسباب، معرضا عن المقدور، أو متضجرا منه. اهـ
وفي فتح الباري لابن حجر: قال الطبري: طريق الجمع بين هذا النهي، وبين ما ورد من الأحاديث الدالة على الجواز: أن النهي مخصوص بالجزم بالفعل الذي لم يقع، فالمعنى لا تقل لشيء لم يقع، لو أني فعلت كذا لوقع. قاضيا بتحتم ذلك، غير مضمر في نفسك شرط مشيئة الله تعالى. وما ورد من قول لو محمول على ما إذا كان قائله موقنا بالشرط المذكور، وهو أنه لا يقع شيء إلا بمشيئة الله وإرادته, وهو كقول أبي بكر في الغار: لو أن أحدهم رفع قدمه لأبصرنا. فجزم بذلك، مع تيقنه أن الله قادر على أن يصرف أبصارهم عنهما بعمى، أو غيره، لكن جرى على حكم العادة الظاهرة، وهو موقن بأنهم لو رفعوا أقدامهم لم يبصروهما إلا بمشيئة الله تعالى. انتهى ملخصا.
قال الشيخ الغنيمان في شرح فتح المجيد: قد علم أن هؤلاء يقولون ذلك غير راضين به، بل ساخطين بما صار، وآسفين عليه، ومتضايقين منه أشد الضيق، وهم مع ذلك يعتقدون أنه يمكن أن يتغير، ولو أخذ برأيهم ما وقع ذلك. فهذا المقصود من المنع من قول (لو) أنها إذا كانت بالاعتراض على قدر الله جل وعلا وعدم الرضا بما وقع، فإن هذا لا يجوز أن يقع من المسلم... فهذا اعتراض على الله، وهو من الكفر بالله جل وعلا. اهـ.
وقال أيضا في باب ما جاء في اللو: المقصود الاعتراض على القدر، أو الاعتراض على الشرع، أما الاعتراض على القدر، فيكون بعد وقوع الشيء، ينظر إلى الأسباب، وإلى الأمور التي يفكر أنه يمكن أن يفعلها، فينجو من ذلك فيقول: لو أني فعلت كذا ما صار كذا وكذا. وفي نفسه عند هذا القول من الضيق والحرج، والأسى والسخط لما وقع فيه، فهو غير راضٍ بما وقع، ويرى أنه يمكن أن يغير، وهذا كله من الكفر بالله جل وعلا. اهـ.
وقال أيضا: لقد نهى الشارع الحكيم عن التسخط، وعدم الرضا بالقدر، لما في ذلك من الاعتراض على الله سبحانه وتعالى وشرعه وحكمه، وهذا منافٍ للإيمان، ومن ذلك التسخط بكلمة (لو) على أقدار الله، والظن بأن الأسباب تغير المقادير. اهـ.
واعلم أن تعليق مشيئة الله تعالى على فعل مستقبل، مستحب؛ فقد ورد ذلك كثيرا عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كما في حديث عتبان بن مالك- رضي الله عنه-عند ما قال له: ووددت يا رسول الله أنك تأتيني فتصلي في بيتي، فأتخذه مصلى.. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: سأفعل إن شاء الله.. الحديث متفق عليه.
وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال سليمان بن داود عليهما السلام- لأطوفن الليلة على مائة امرأة، أو تسع وتسعين كلهن يأتي بفارس يجاهد في سبيل الله، فقال له صاحبه قل: إن شاء الله، فلم يقل إن شاء الله؛ فلم يحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل، والذي نفس محمد بيده لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرسانا أجمعون. وقالها موسى- عليه السلام: سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا {الكهف:69} وقالها الذبيح في قوله عليه السلام: سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ {الصافات:102}، فصبر حتى فداه الله بالذبح.
قال النووي في شرح مسلم: يستحب للإنسان إذا قال سأفعل كذا أن يقول: إن شاء الله تعالى على جهة التبرك، والامتثال لقول الله تعالى: ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله. اهـ.
قال ابن كثير في تفسيره: هذا إرشاد من الله لرسوله -صلوات الله وسلامه عليه- إلى الأدب فيما إذا عزم على شيء ليفعله في المستقبل، أن يرد ذلك إلى مشيئة الله -عز وجل- علام الغيوب، الذي يعلم ما كان وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف كان يكون، كما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه [قال] قال سليمان بن داود -عليهما السلام-: لأطوفن الليلة على سبعين امرأة -وفي رواية: تسعين امرأة. وفي رواية: مائة امرأة- تلد كل امرأة منهن غلامًا يقاتل في سبيل الله، فقيل له - وفي رواية: فقال له الملك - قل: إن شاء الله. فلم يقل، فطاف بهن فلم يلد منهن إلا امرأة واحدة نصف إنسان"، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "والذي نفسي بيده، لو قال: "إن شاء الله" لم يحنث، وكان دركا لحاجته"، وفي رواية: "ولقاتلوا في سبيل الله فرسانا أجمعون. اهـ.
فتبين من هذا مشروعية قول إن شاء الله لما يراد فعله في المستقبل، ولكنه لا ينبغي لك أن تعد وعدا وأنت تضمر إخلافه، ولا ينفعك قول إن شاء الله إذا كان المخاطب يفهم أنك عازم على الوفاء والفعل.
قال ابن الجوزي في كشف المشكل: وَقَوله: (وَإِذا وعد أخلف) خلف الْوَعْد: الرُّجُوع عَنهُ؛ وَهَذَا مَحْمُول على من وعد وَهُوَ على عزم الْخلف، أَو ترك الْوَفَاء من غير عذر، فَأَما من عزم على الْوَفَاء فَعرض لَهُ عذر مَنعه من الْوَفَاء فَلَيْسَ بمنافق، إِلَّا أَنه يَنْبَغِي أَن يحترز من صُورَة النِّفَاق كَمَا يحْتَرز من حَقِيقَته. انتهى.
وقال ابن رجب في جامعه: والثاني: إذا وعد أخلف، وهو على نوعين؛ أحدهما: أن يعد ومن نيته أن لا يفي بوعده، وهذا أشر الخلف، ولو قال: أفعل كذا -إن شاء الله تعالى-. ومن نيته أن لا يفعل، كان كذبا وخلفا، قاله الأوزاعي. الثاني: أن يعد ومن نيته أن يفي، ثم يبدو له فيخلف من غير عذر له في الخلف. انتهى.
ويجوز استعمال إن شاء الله في المزاح من دون استهزاء باسم الجلالة، ولا سيما إن كان متعودا لها، ولا يحصل الكفر بذلك.
وأما سب المرض فمنهي عنه، وأقل أحواله الكراهة.
فقد قال النووي -رحمه الله تعالى- في كتابه رياض الصالحين: باب كراهة سب الحمى.
ثم أورد الحديث الوارد في صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على أم السائب أو أم المسيب فقال: مالك يا أم السائب، أو يا أم المسيب تزفزفين، قالت: الحمى لا بارك الله فيها، فقال: لا تسبي الحمى؛ فإنها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد. اهـ.
وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: والدي توفي بمرض سرطان خبيث، من مرضه وإلى وفاته خمسة أشهر، فهل يُعتبر شهيداً ؟ وهل هذا المرض الخبيث يمحو جميع الذنوب التي عليه؟
فأجاب: إذا صبر المسلم على المرض، واحتسب الأجر: فله الأجر عند الله، ولا يعتبر الميت بالسرطان شهيداً؛ لعدم الدليل على ذلك، ولكن المسلم يرجى له الخير . ويكره وصف المرض بأنه خبيث. انتهى .
والله أعلم.