عنوان الفتوى: العرض.. معناه.. وصفته

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

حدثونا عن العرض في الآخرة وكيفيته وصورته.

مدة قراءة الإجابة : 8 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن العرض في الآخرة له معنيان، وقد ذكر صفتهما الشيخ حافظ بن أحمد حكمي في كتابه معارج القبول، حيث قال رحمه الله: الْعَرْضُ لَهُ مَعْنَيَانِ:

مَعْنَى عَامٌّ: وَهُوَ عَرْضُ الْخَلَائِقِ كُلِّهِمْ عَلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ, بَادِيَةٌ لَهُ صَفَحَاتُهُمْ لَا تَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُمْ خَافِيَةٌ، هَذَا يَدْخُلُ فِيهِ مَنْ يُنَاقَشُ الْحِسَابَ وَمَنْ لَا يُحَاسَبُ

وَالْمَعْنَى الثَّانِي: عَرْضُ مَعَاصِي الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِمْ وَتَقْرِيرُهُمْ بِهَا وَسَتْرُهَا عَلَيْهِمْ وَمَغْفِرَتُهَا لَهُمْ, وَالْحِسَابِ وَالْمُنَاقَشَةِ، وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ العزيز في غير ما مَوْضِعٍ إِجْمَالًا وَتَفْصِيلًا، كَمَا قَالَ: يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ {الْحَاقَّةِ: 18} الْآيَاتِ, وَقَالَ تَعَالَى: وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ {الْكَهْفِ: 48} الْآيَاتِ، وَقَالَ تَعَالَى: وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ {النَّمْلِ: 83 84} وَقَالَ تَعَالَى: يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ {الزَّلْزَلَةِ: 6-8} وَقَالَ تَعَالَى: فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ {الْحِجْرِ: 92} وَقَالَ تَعَالَى: وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ {الصَّافَّاتِ: 24} وَقَالَ تَعَالَى: إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ {الْغَاشِيَةِ: 26} وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا عَنْ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ قَالَ: حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا, وَزِنَوْا أَعْمَالَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُوزَنُوا، فَإِنَّهُ أَخَفُّ عَلَيْكُمْ فِي الْحِسَابِ غَدًا أَنْ تُحَاسِبُوا أنفسكم اليوم, وتزينوا لِلْعَرْضِ الْأَكْبَرِ: يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ {الْحَاقَّةِ: 18} وَرَوَى أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي مُوسَى ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُعْرَضُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَلَاثَ عَرْضَاتٍ، فَأَمَّا عَرْضَتَانِ: فَجِدَالٌ وَمَعَاذِيرُ, وَأَمَّا الثَّالِثَةُ: فَعِنْدَ ذَلِكَ تَطِيرُ الصُّحُفُ فِي الْأَيْدِي، فَآخِذٌ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ، وَآخِذٌ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ ـ وَلِلتِّرْمِذِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ نَحْوُهُ، وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ نَحْوَهُ مَوْقُوفًا، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْحُمُرِ، فَقَالَ: مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهَا إِلَّا هَذِهِ الْآيَةَ الْفَاذَّةَ الْجَامِعَةَ: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ*  وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ {الزَّلْزَلَةِ: 7 8} وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ صَعْصَعَةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَمِّ الْفَرَزْدَقِ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأَ عَلَيْهِ: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ {الزَّلْزَلَةِ: 7 8} قَالَ حَسْبِي, لَا أُبَالِي أَنْ لَا أَسْمَعَ غَيْرَهَا، وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ يَأْكُلُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ {الزَّلْزَلَةِ: 7ـ 8} فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ يَدَهُ وَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أُجْزَى بِمَا عَمِلْتُ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ مِنْ شَرٍّ؟ فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ؛ مَا رَأَيْتَ فِي الدُّنْيَا مِمَّا تَكْرَهُ فَبِمَثَاقِيلِ ذَرِّ الشَّرَّ, وَيَدَّخِرُ اللَّهُ لَكَ مَثَاقِيلَ ذَرِّ الْخَيْرِ حَتَّى تَوَفَّاهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ـ وَعَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ فِي قَوْلِهِ: فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ {الْحِجْرِ: 92} قَالَ يَسْأَلُ الْعِبَادَ كُلَّهُمْ عَنْ خُلَّتَيْنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَعْبُدُونَ وَعَمَّاذَا أَجَابُوا الْمُرْسَلِين ـ وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا سَيَخْلُو اللَّهُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا يَخْلُو أَحَدُكُمْ بِالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ فَيَقُولُ: ابْنَ آدَمَ مَاذَا غَرَّكَ مِنِّي بِي؟ ابْنَ آدَمَ مَاذَا عَمِلْتَ فِيمَا عَلِمْتَ؟ ابْنَ آدَمَ مَاذَا أَجَبْتَ الْمُرْسَلِينَ؟ وَلِابْنِ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا مُعَاذُ, إِنَّ الْمَرْءَ يُسْأَلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْ جَمِيعِ سَعْيِهِ حَتَّى كُحْلَ عَيْنَيْهِ, وَعَنْ فُتَاتِ الطِّينَةِ بِأُصْبُعَيْهِ, فَلَا أَلْفَيَنَّكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَحَدٌ غَيْرُكَ أَسْعَدُ بِمَا آتَاكَ اللَّهُ مِنْكَ ـ وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ {الْحِجْرِ: 92} قَالَ: فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ {الرَّحْمَنِ: 39} قَالَ لَا يَسْأَلُهُمْ هَلْ عَمِلْتُمْ كَذَا، لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْهُمْ, وَلَكِنْ يَقُولُ: لِمَ عَمِلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؟ وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ـ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَيْسَ أَحَدٌ يُحَاسَبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا هَلَكَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ أَلَيْسَ قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا { الِانْشِقَاقِ: 8} فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّمَا ذَلِكَ الْعَرْضُ, وَلَيْسَ أَحَدٌ يُنَاقَشُ الْحِسَابَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا عُذِّبَ ـ وَفِيهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: يُجَاءُ بِالْكَافِرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ لَهُ: أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا أَكُنْتَ تَفْتَدِي بِهِ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيُقَالُ لَهُ: قَدْ كُنْتَ سُئِلْتَ مَا هُوَ أَيْسَرُ مِنْ ذَلِكَ ـ وَفِيهِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ: مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَسَيُكَلِّمُهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَيْسَ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ, فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ مِنْ عَمَلِهِ, وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ, وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَا يَرَى إِلَّا النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ, فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ ـ وَفِيهِ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ قَالَ: بَيْنَمَا ابْنُ عُمَرَ يَطُوفُ إِذْ عَرَضَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ ـ أو قال يا ابن عُمَرَ ـ هَلْ سمعت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في النجوى؟ فقال: سَمِعْتَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: يَدْنُو الْمُؤْمِنُ مِنْ رَبِّهِ حَتَّى يضع عليه كنفه فَيُقَرِّرَهُ بِذُنُوبِهِ تَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا، يَقُولُ أَعْرِفُ، يَقُولُ: رَبِّ أَعْرِفُ مَرَّتَيْنِ، فَيَقُولُ: أَنَا سَتَرْتُهَا فِي الدُّنْيَا وَأَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ, ثُمَّ تُطْوَى صَحِيفَةُ حَسَنَاتِهِ، وَأَمَّا الْآخَرُونَ أَوِ الْكُفَّارُ: فَيُنَادَى عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ـ وَفِي التِّرْمِذِيِّ عن أبي بزرة الْأَسْلَمِيِّ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَا عَمِلَ فِيهِ، وَعَنْ مَالِهِ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ, وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ ـ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ. انتهى.

والله أعلم.

شارك الفتوى

أسئلة متعلقة أخري
القصاص العام والقصاص الخاص يوم القيامة
ميزان التفاضل بين الناس بحسب الحسنات والسيئات
هل مسامحة المؤذي دون معرفة أذيته تعفيه من القصاص في الآخرة
كيف يحاسب المقصر في الصلاة إن كانت حسناته أكثر من سيئاته
هل مناقشة الحساب خاصة بالكفار والمنافقين؟
من مات ولم يتب فهل يمكن أن لا يعذب في القبر وما بعده؟
حساب العبد على أعماله شابا أو مسنا