عنوان الفتوى : حكم استعانة الراقي بالجن واستعمال الملح في الرقية
أعاني من الوسواس القهري، وهو عندي منذ أكثر من 10 سنوات، كان ينتقل عندي من شيء لشيء؛ فمن ترتيب الأشياء إلى التأكيد على كل شيء إلى مراجعة الكلام إلى وسواس الطهارة، وهو الذي أرهقني كثيرا. وأنا أحاول ألا أسترسل كثيرا وأقطع هذا الوسواس؛ فأنا علمت أن جمهور الفقهاء أقروا أن الموسوس لا يسترسل مع وسواسه وعبادته صحيحة -إن شاء الله-. جربت العلاج النفسي وأخذت دواء ولكن لم يأت بنتيجة. وذهبت أمي إلى شيخ يرقي الناس بالمجان دون أن يأخذ أية نقود، فبعد أن عرف اسمي وتاريخ ميلادي أخبرها بتلك الأمور السابقة وأشياء عني حدثت فعلًا وأنا كنت قد نسيتها؛ فقد كان يأتيني صداع نصفي قرابة عام، وشفيت منه، وهو أخبر بهذا، وقال إن عندي مسًّا من جنِّيَّة تكبر معي، وهي التي تفعل بي هذا، وأعطى والدتي تعليمات أفعلها ورقية أرقي بها نفسي، وأنا لم أقابله إطلاقًا. التعليمات والرقية هي: 1- تمسح الشقة بالماء والملح والورد. 2- يمسح الحمام بالماء والملح كل يومين لمدة 10 أيام. 3- يذاب الملح في ماء وترش الشقة كلها. 4- تشغيل سورتي البقرة وآل عمران يوميا. 5- تبخير الشقة. 6- الاغتسال بماء مقروء عليه سورة يس يوميا لمدة أسبوع. 7- عسل نحل يقرأ عليه الفاتحة وأية الكرسي والمعوذتين، ويؤخذ منه صباحا ومساء. 8- النوم على وضوء، والتطيب بالمسك الأبيض. 9- كل الملابس والفرش تغسل بماء وملح قبل غسلها الغسيل العادي. 10- وشدد على فاتحة الكتاب أن أقرأها كثيرا؛ ففيها الشفاء -كما قال-، وأن أستغفر كثيرا، وأذكر اسم الله على كل شيء. وكنت أعاني من مشاكل في المثانة والبول، ودخول الحمام لمدة طويلة، والاستنجاء لمدة طويلة؛ لأنني أوسوس، فوصف لوالدتي بقدونس وليمونة تقسم نصفين، ويغلى، ثم يصفى، ويقرأ عليه سورة الجن، ويشرب على الريق. أنا -والحمد لله- أحافظ على الصلوات في المسجد، وعلى أذكاري، ولا أريد أن أفعل شيئا مخالفا للشرع؛ فأنا أحب مقولة الإمام أحمد بن حنبل: لو استطاع أحدكم أن يحك جلده بأثر فليفعل. فأنا أريد أن أعلم هل تلك التعليمات والرقية مخالفة للشرع؟ وكيف عرف هذا الشيخ أخباري السابقة؟ أحدهم قال لي: ربما يستعين بجني مسلم. فهل هذا يعتبر ساحرا؟ وهل عليّ اتباع ما قال لوالدتي أن أفعله؟ ولأن أناسا كثرا شفاهم الله يقولون: بسبب تعليماته ورقيته. ولو طلب أحدهم مني أن أدله عليه فهل لو أعطيته عنوانه أكون آثما؟ أريد توجيها وتأصيلا للأمر، وجزاكم الله خيرا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نسأل الله لنا ولك العافية. وأما عن حال هذا الشخص: فلا يبعد أن يكون علم خبرك عن طريق من يستعين بهم من الجن، وقد نهى أهل العلم قديمًا عن التخاطب مع الجن وسؤالهم؛ فقد قال ابن مفلح: قال أحمد في الرجل يزعم أنه يخاطب الجن ويكلمهم ومنهم من يخدمه: ما أحب لأحد أن يفعله، تركه أحب إلي. اهـ.
وسئل العلامة الشيخ/ محمد بن إبراهيم عن الاستعانة بالجن فقال: إنه طلب من الجن فيدخل في سؤال الغائبين الذي يشبه سؤال الأموات، وفيه رائحة من روائح الشرك. اهـ.
وقال الشيخ/ ابن باز: وأما اللجوء إلى الجن فلا... لأنه وسيلة إلى عبادتهم وتصديقهم، لأن في الجن من هو كافر، ومن هو مسلم، ومن هو مبتدع، ولا تعرف أحوالهم، فلا ينبغي الاعتماد عليهم ولا يسألون، وقد ذم الله المشركين بقوله تعالى: وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً {الجـن:6}، ولأنه وسيلة للاعتقاد فيهم والشرك، وهو وسيلة لطلب النفع منهم والاستعانة بهم، فأرى أنه لا يجوز؛ لأن في ذلك استخداما لهم، وقد لا يخدمون إلا بتقرب إليهم واستضعاف لهم. اهـ.
وأما ما ذكره من الرقية بالقرآن: فلا حرج فيه؛ فإن الرقية بالقرآن مشروعة، ولا حرج في الشرب والاغتسال من الماء الذي قرئت عليه الرقية؛ فقد روى مسلم من حديث عوف بن مالك الأشجعي قال: كنا نرقي في الجاهلية، فقلنا: يا رسول الله, كيف ترى في ذلك؟ فقال: اعرضوا عليّ رقاكم؛ لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك.
وفي حديث الترمذي: من قرأ القرآن فليسأل الله به.
وروى ابن حبان عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم-: دخل عليها وامرأة تعالجها أو ترقيها، فقال: عالجيها بكتاب الله. وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1931).
ولكن هذه التحديدات المذكورة في الأعداد والأوقات داخلة في البدع الإضافية، كما يقول الشاطبي ـ رحمه الله ـ في تعريف البدعة: ومنها -أي: البدعة الإضافية-: التزام هيئات العبادات، كهيئة الاجتماع على صوت واحد، ومنها: التزام الكيفيات والهيئات المعينة في أوقات معينة لم يوجد لها ذلك التعيين في الشريعة. انتهى.
و قال الدكتور العلامة/ بكر أبو زيد ـ رحمه الله ـ في كتابه: بدع القراء القديمة والمعاصرة: من البدع: التخصيص بلا دليل بقراءة آية، أو سورة في زمان، أو مكان، أو لحاجة من الحاجات. انتهى.
والذي ننصحك به هو: أن تكثر من قراءة الفاتحة، وآية الكرسي، والمعوذات، معلقًا قلبك بربك تعالى، متوكلًا عليه، عالمًا أن الخير كله بيديه سبحانه، واعلم أن للرقى أثرًا -بإذن الله- في الشفاء من الوسواس، وانظر الفتويين التاليتين: 123898، 80694.
وأما استعمال الملح والورد: فلا نعلم لذلك أصلًا في الكتاب والسنة، ولا في عمل السلف الأول، وقد رخص فيه بعض أهل العلم المعاصرين؛ كالشيخ/ ابن جبرين، وكذلك الشيخ/ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، كما في فتاوى ورسائل سماحة الشيخ/ محمد بن إبراهيم آل الشيخ (1/94).
ومنعه آخرون؛ كالشيخ/ ابن عثيمين، حيث سئل في لقاءات الباب المفتوح: هل يجوز القراءة على الملح ونفخه في أرجاء البيت للاحتراز من الشياطين وغيرهم؟ فأجاب: لا, هذا غير صحيح، قولهم: إنه إذا قرأ على الملح وذره في البيت لا تقربه الشياطين، هذا خطأ وليس بصحيح، ولا يجوز العمل به. اهـ.
والأَولى: تركه احتياطا.
وراجع في شأن البخور الفتويين التاليتين: 130639، 188083.
وأما عن دلالتك لمن سألك عنه: فلا ننصحك بها؛ لالتباس أمره، ولك أن تدله على الرقاة الشرعيين والموثوق بهم، وهم -والحمد لله- كثر.
وننصحك بالاقتصار على الرقية الشرعية، وطرد الجن والشياطين بذكر الله تعالى، وقراءة القرآن، وخاصة سورة البقرة، لما في الحديث: إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة. رواه مسلم.
والله أعلم.