عنوان الفتوى : هل يُعد تأديب الرجل فرسه وملاعبته أهله لهوا أم لا؟
قال رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم: (كل لهو باطل، ليس من اللهو محمود إلا ثلاثة: تأديب الرجل فرسه، وملاعبته أهله، ورميه بقوسه ونبله، فإنهن من الحق) رواه أبو داود في الجهاد، باب في الرمي. وفي رواية: (كل شيء ليس من ذكر الله لهو ولعب، إلا أن يكون أربعة: ملاعبة الرجل امرأته، وتأديب الرجل فرسه، ومشي الرجل بين الغرضين، وتعليم الرجل السباحة)، رواه النسائي في عشرة النساء، ، صحيح الجامع رقم (4534) إذن فهل يُعد تأديب الرجل فرسه وملاعبته أهله لهوًا أم لا؟ فالحديث الأول يفهم منه أنهما من اللهو، والثاني يفهم منه أنهما ليسا من اللهو؟
الحمد لله.
لا تعارض بين الحديثين – إن شاء الله – وبيان ذلك كما يلي:
أولا:
الحديث الأول:
عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
( إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُدْخِلُ بِالسَّهْمِ الْوَاحِدِ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ الْجَنَّةَ: صَانِعَهُ يَحْتَسِبُ فِي صَنْعَتِهِ الْخَيْرَ، وَالرَّامِيَ بِهِ، وَمُنْبِلَهُ. وَارْمُوا، وَارْكَبُوا، وَأَنْ تَرْمُوا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ تَرْكَبُوا.
لَيْسَ مِنَ اللَّهْوِ إِلَّا ثَلَاثٌ: تَأْدِيبُ الرَّجُلِ فَرَسَهُ، وَمُلَاعَبَتُهُ أَهْلَهُ، وَرَمْيُهُ بِقَوْسِهِ وَنَبْلِهِ، وَمَنْ تَرَكَ الرَّمْيَ بَعْدَ مَا عَلِمَهُ رَغْبَةً عَنْهُ، فَإِنَّهَا نِعْمَةٌ تَرَكَهَا ).
وقد وقع اضطراب في إسناده:
فقد أخرجه الإمام أحمد في "المسند" (17321)، و (17335)، و أبو داود (2513)، والنسائي (3578)، وسعيد بن منصور في سننه (2450)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (11 / 65)، وغيرهم، جميعا: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، أَنَّ أَبَا سَلَّامٍ، حَدَّثَهُ، قَالَ: حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ به.
وخالف يحيى بنُ أبي كثير، عبد الرحمن بن يزيد؛ فرواه عن أبي سلام، فسمّى الراوي عن عقبة: عبد الله بن الأزرق.
أخرجه الإمام أحمد في "المسند" (17300)، والترمذي (1637)، وابن ماجه (2811)، وغيرهم: جميعا من طريق هِشَام الدَّسْتُوَائِيّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَّامٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْأَزْرَقِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ به.
وخالف معمر هشاما، كما عند الإمام أحمد في "المسند" (17337): فرواه عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ سَلَّامٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَيْدٍ الْأَزْرَقِ، عن عقبة بن عامر رضي الله عنه.
والراوي عن عقبة بن عامر، سواء كان اسمه خالد بن زيد أو عبد الله: مجهول لا يعرف حاله، فقد ذكره البخاري في "التاريخ الكبير" ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا.
حيث قال رحمه الله تعالى:
" عبد اللّه بن زيد، الأزرق.
ويقال: خالد بن زيد.
قاله عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، ومعاوية، عن أبي سلّام.
وقال يحيى بن أبي كثير: عن زيد، عن أبي سلّام، عن عبد اللّه بن زيد الأزرق، سمع عقبة ". انتهى. "التاريخ الكبير" (6/111).
وكذا ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (5/58).
فإسناد هذا الخبر ضعيف لجهالة راويه.
وقد قوّي متنه لما له من شواهد، ومن شواهده الحديث المذكور في السؤال، وهو:
ما أخرجه النسائي في "السنن الكبرى" (8891)، والطبراني في "المعجم الكبير" (2 / 193)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (20 / 13) ، جميعا: من طريق عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ بُخْتٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ: رَأَيْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ وَجَابِرَ بْنَ عُمَيْرٍ الْأَنْصَارِيَّيْنِ يَرْمِيَانِ، فَمَلَّ أَحَدُهُمَا فَجَلَسَ، فَقَالَ الْآخَرُ: كَسِلْتَ؟ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( كُلُّ شَيْءٍ لَيْسَ مِنْ ذِكْرِ اللهِ فَهُوَ لَغْوٌ وَلَهْوٌ، إِلَّا أَرْبَعَةَ خِصَالٍ: مَشْيٌ بَيْنَ الْغَرَضَيْنِ، وَتَأْدِيبُهُ فَرَسَهُ، وَمُلَاعَبَتُهُ أَهْلَهُ، وَتَعْلِيمُ السَّبَّاحَةِ ).
والحديث صحح إسناده الحافظ ابن حجر في "الإصابة" (2 / 129).
وقال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى:
" وهذا سند صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم، غير عبد الوهاب بن بخت وهو ثقة اتفاقا.
وقال المنذري في "الترغيب" (2/170) بعد أن عزاه لـ " المعجم ": " بإسناد جيد ".
وقال الهيثمي في "المجمع" (6/269): " رواه الطبراني في "الأوسط" و "الكبير" والبزار، ورجال الطبراني رجال الصحيح، خلا عبد الوهاب بن بخت وهو ثقة " انتهى. "السلسلة الصحيحة" (1/625).
ثانيا:
ومع ضعف إسناد الحديث الأول حديث عقبة بن عامر؛ إلا أن معناه لا يتعارض مع معنى الحديث الثاني، ولذا جُعِل شاهدا لمتن حديث عقبة بن عامر ومقوّيا له.
فحديث عقبة بن عامر رضي الله عنه روي بألفاظ عدة، منها: ( " ليس من اللهْو إلا ثلاثٌ " ، و " وَكُلُّ مَا يَلْهُو بِهِ الْمَرْءُ الْمُسْلِمُ بَاطِلٌ، إِلَّا .." ، و " وَلَيْسَ اللَّهْوُ إِلَّا فِي ثَلَاثَةٍ " ) ، فيظهر من هذا أن هذه الأشياء المذكورة من اللهو، واللهو كله باطل أي لا ثواب فيه، إلا أنه استثنى من اللهو هذه الأشياء الثلاثة، فيكون المعنى أي أنها وإن كانت لهوا، إلا أنها ليست من اللهو الباطل، لما فيها من الثواب والنفع.
قال ابن العربي رحمه الله تعالى:
" قوله: ( كل ما يلهو به الرجل باطل )، ليس يريد به حرام، إنما يريد به أنه عار من الثواب، وأنه للدنيا محضا لا تعلق له بالآخرة " انتهى من "عارضة الأحوذي" (7/136).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" اللهو الذي يلهو به الرجل: إذا لم يكن فيه منفعة، فهو باطل.
وإن كان فيه منفعة - وهو ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : ( كل لهو يلهو به الرجل فهو باطل، إلا رميه بقوسه، وتأديبه فرسه، وملاعبته امرأته، فإنهن من الحق ) - صار هذا اللهو حقا " انتهى من "مجموع الفتاوى" (29/48).
وأما الحديث الثاني وهو حديث جابر، فهو وإن نفى عن هذه الأشياء اسم اللهو، فالمقصود به اللهو الباطل الخالي من المنفعة والثواب.
قال الصنعاني في شرحه لهذا الحديث:
" فإن هذه الخصال وإن كانت من اللهو؛ فإنها لا تُذم، ولا يمقت الله فاعلها، بل يؤجر عليها إن صلح مقصده " انتهى من "التنوير في شرح الجامع الصغير" (8/181).
فالحاصل: أن هذه الأشياء الواردة في الحديثين تعد من اللهو واللعب بالنظر إلى صورتها، إلا أنها ليست من اللهو الباطل لما فيها من المصالح الشرعية الراجحة.
والله أعلم.
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |