عنوان الفتوى : هل تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بأكثر من إحدى عشرة امرأة لكن طلق بعضهن؟
هل صحيحٌ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلّق بعض أزواجه ؟ فقد ذكر العلامة محبّ الدين الطبري أن رسول الله تزوج في المجموع 23 امرأةً أو 21 امرأةً ، منذ ذلك الحين ، كان قد طلّق 6، 7 أو 9 ،وفقاً للروايات المختلفة . "السمط الثمين" (230-231) ، " خلاصة سير سيد البشر " ( 632-636) ، ذُكِرت إحدى النساء التي طلقها رسول الله في "صحيح البخاري" كذلك في الحديث (5254-5257)، وكان اسمها أميمة بنت نعمان بن شراحيل . هل يمكنكم إعطائي بعض التفاصيل أكثر حول ذلك ؟ وهل كل زوجات النبي محمد "أمهات المؤمنين" ؟ ماذا عن زوجات الأنبياء الآخرين ما هو وضعهم أو مكانتهم حسب الإسلام؟
الحمد لله
أولا:
من المجمع عليه أن أول نساء النبي صلى الله عليه وسلم هي خديجة بنت خويلد رضي الله عنها ، ولم يتزوج غيرها حتى توفيت رضي الله عنها.
ومن المتفق عليه أيضا أنه توفي صلى الله عليه وسلم وعنده تسع نسوة.
عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: ( كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعُ نِسْوَةٍ، فَكَانَ إِذَا قَسَمَ بَيْنَهُنَّ، لَا يَنْتَهِي إِلَى الْمَرْأَةِ الْأُولَى إِلَّا فِي تِسْعٍ ... ) رواه مسلم (1462).
قال النووي رحمه الله تعالى:
" أما قوله: ( تسع نسوة ) : فهن اللاتي توفي عنهن صلى الله عليه وسلم وهن؛ عائشة، وحفصة، وسودة، وزينب، وأم سلمة، وأم حبيبة، وميمونة، وجويرية، وصفية ، رضي الله عنهن " انتهى، من "شرح صحيح مسلم" (10 / 47).
ومن المتفق عليه أيضا : أنه تزوج زينب بنت خزيمة ، وتوفيت في حياته صلى الله عليه وسلم.
قال ابن رشد رحمه الله تعالى في "المقدمات الممهدات" (3 / 358):
" فهؤلاء أزواجه اللواتي لم يُختلف فيهن، فحصل العلم بنقل التواتر بهن، وهن إحدى عشرة امرأة، منهن ست من قريش: خديجة، وسودة، وعائشة، وحفصة، وأم سلمة، وأم حبيبة .
وأربع من العرب: زينب بنت خزيمة، وزينب بنت جحش، وجويرية، وميمونة؛ وواحدة من بني إسرائيل: وهي صفية.
توفي منهن اثنتان في حياته: خديجة أول نسائه، وزينب بنت خزيمة. وتوفي صلّى اللّه عليه وسلّم عن التسع الباقيات " انتهى.
وقد وردت روايات عدة تشير إلى النبي صلى الله عليه تزوج غير هؤلاء ، لكن طلق بعضهن ، ولم يدخل ببعضهن؛ لكن هذه الروايات أغلبها لا يصح؛ حيث قال الذهبي رحمه الله تعالى بعد أن ذكر جملة من هذه الروايات:
" هذا ونحوه إنما أوردته للتعجب لا للتقرير " انتهى، من "سير أعلام النبلاء" (سيرة2 / 495).
وقال ابن عبد البر رحمه الله تعالى:
" وأما اللواتي اختلف فيهن ممن ابتنى بها وفارقها ، أو عقد عليها ولم يدخل بها، أو خطبها ولم يتم له العقد منها، فقد اختلف فيهن، وفي أسباب فراقهن اختلافًا كثيرًا ، يوجب التوقف عن القطع بالصحة في واحدة منهن " انتهى، من "الاستيعاب" (1 / 46).
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى:
" فهؤلاء نساؤه المعروفات اللاتي دخل بهن، وأما من خطبها ولم يتزوجها، ومن وهبت نفسها له ولم يتزوجها، فنحو أربع أو خمس .
وقال بعضهم: هن ثلاثون امرأة، وأهل العلم بسيرته وأحواله صلى الله عليه وسلم لا يعرفون هذا، بل ينكرونه " انتهى، من "زاد المعاد" (1 / 110).
ومّما صح؛ أنه صلى الله عليه وسلم تزوج أُمَيْمَةَ بِنْتَ شَرَاحِيلَ ، وتعرف بابنة الجون، ثم طلقها بسبب منها؛ لأنها استعاذت بالله منه، فسرّحها أدبا مع الله تعالى، فقال لها: ( لَقَدْ عُذْتِ بِعَظِيمٍ، الحَقِي بِأَهْلِكِ )، وقد أورد البخاري رحمه الله تعالى قصتها في صحيحه ، في روايات يكمّل بعضها البعض.
فعَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: ( أَنَّ ابْنَةَ الجَوْنِ، لَمَّا أُدْخِلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَنَا مِنْهَا، قَالَتْ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ، فَقَالَ لَهَا: لَقَدْ عُذْتِ بِعَظِيمٍ، الحَقِي بِأَهْلِكِ ) رواه البخاري (5254).
وعَنْ أَبِي أُسَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: ( خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى انْطَلَقْنَا إِلَى حَائِطٍ يُقَالُ: لَهُ الشَّوْطُ، حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى حَائِطَيْنِ، فَجَلَسْنَا بَيْنَهُمَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اجْلِسُوا هَا هُنَا! وَدَخَلَ، وَقَدْ أُتِيَ بِالْجَوْنِيَّةِ، فَأُنْزِلَتْ فِي بَيْتٍ فِي نَخْلٍ فِي بَيْتِ أُمَيْمَةَ بِنْتِ النُّعْمَانِ بْنِ شَرَاحِيلَ، وَمَعَهَا دَايَتُهَا حَاضِنَةٌ لَهَا، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: هَبِي نَفْسَكِ لِي، قَالَتْ: وَهَلْ تَهَبُ المَلِكَةُ نَفْسَهَا لِلسُّوقَةِ؟ قَالَ: فَأَهْوَى بِيَدِهِ يَضَعُ يَدَهُ عَلَيْهَا لِتَسْكُنَ، فَقَالَتْ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ، فَقَالَ: قَدْ عُذْتِ بِمَعَاذٍ، ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا فَقَالَ: يَا أَبَا أُسَيْدٍ! اكْسُهَا رَازِقِيَّتَيْنِ، وَأَلْحِقْهَا بِأَهْلِهَا ) رواه البخاري (5255).
وعَنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَأَبِي أُسَيْدٍ، قَالاَ: ( تَزَوَّجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَيْمَةَ بِنْتَ شَرَاحِيلَ، فَلَمَّا أُدْخِلَتْ عَلَيْهِ بَسَطَ يَدَهُ إِلَيْهَا، فَكَأَنَّهَا كَرِهَتْ ذَلِكَ ، فَأَمَرَ أَبَا أُسَيْدٍ أَنْ يُجَهِّزَهَا وَيَكْسُوَهَا ثَوْبَيْنِ رَازِقِيَّيْنِ ) رواه البخاري (5256).
وراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم (118282).
وورد أيضا : أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج بأخت الأشعث بن قيس، فتوفي صلى الله عليه وسلم قبل أن يخيّرها، فلم تدخل في عداد زوجاته.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ قُتَيْلَةَ أُخْتَ الأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُخَيِّرَهَا، فَبَرَّأَهَا اللَّهُ مِنْهُ ) رواه البزار "كشف الأستار" (2444).
قال الحافظ ابن حجر:
" وأخرجه البزار من وجه آخر عن داود، عن عكرمة، عن ابن عباس موصولا، وصححه ابن خزيمة والضياء من طريقه في المختارة" انتهى. "التلخيص الحبير" (3 / 292).
ثانيا:
من خصائص نبينا صلى الله عليه وسلم أن أزواجه رضي الله عنهن يعتبرن أمهات للمؤمنين في المكانة والاحترام والتوقير وحرمة النكاح.
قال الله تعالى:
( النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا ) الأحزاب /6.
وقال الله تعالى:
( وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا ) الأحزاب /53.
قال ابن كثير:
" وقوله: ( وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ) أي: في الحرمة والاحترام، والإكرام والتوقير والإعظام، ولكن لا تجوز الخلوة بهن، ولا ينتشر التحريم إلى بناتهن وأخواتهن بالإجماع " انتهى، من " تفسير ابن كثير" (6 / 380 - 381).
وأمهات المؤمنين هن إحدى عشرة امرأة ، وهن المشهورات من أزواجه صلى الله عليه وسلم ، توفي عن تسعه منهن ، وماتت اثنتان في حياته صلى الله عليه وسلم ، وهما خديجة وزينب بنت خزيمة .
أما من طلقها الرسول صلى الله عليه : فلا نعلم أحدا من أهل العلم ذكرهن بوصف " أمهات المؤمنين" ، ولا أن خصائص أمهات المؤمنين ثبتت لهن بمجرد ذلك .
قال القرطبي رحمه الله :
"فَأَمَّا زَوْجَاتُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ اللَّاتِي فَارَقَهُنَّ فِي حَيَاتِهِ مِثْلُ الْكَلْبِيَّةِ وَغَيْرِهَا، فَهَلْ كَانَ يَحِلُّ لِغَيْرِهِ نِكَاحُهُنَّ؟ فِيهِ خِلَافٌ. وَالصَّحِيحُ جَوَازُ ذَلِكَ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ الْكَلْبِيَّةَ الَّتِي فَارَقَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَت بغيره وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ أَحَدٌ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ إجماع" انتهى بتصرف يسير، من
"تفسير القرطبي" (17/211) .
وأمّا زوجات باقي الأنبياء عليهم السلام ، فلم يثبت ما يدل على أنه لهن هذه المكانة والخصيصة، وإنما فيهن الصالحات، بل قد وجد من بينهن من لم يسلمن لله تعالى ومتن على كفرهن وعصيانهن، وهما : امرأة نوح ، وامرأة لوط.
قال الله تعالى:
( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ) التحريم /10.
والله أعلم.