عنوان الفتوى : (رد دانق من حرام أفضل عند الله من سبعين حجة) حديث مكذوب

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

ما صحة حديث: (ترك دانق من حرام خير من ثمانين حجة بعد الإسلام)؟

مدة قراءة الإجابة : 6 دقائق

الحمد لله

أولا :

الحديث الوارد في السؤال لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل حكم العلماء عليه أنه موضوع ومكذوب.

فقد نسب إلى الصحابي الجليل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رد دانق من حرام أفضل عند الله عز وجل من سبعين حجة مبرورة) كما تجده عند ابن حبان في "المجروحين" (1/139، 153)، وابن عدي في "الكامل في الضعفاء" (1/560)، والخليلي في "الإرشاد" (1/415)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (43/157)، وابن الجوزي في "الموضوعات" (3/117)

والذي وضع الحديث واخترعه اسمه : إسحاق بن وهب الطهرمسي، نسبة إلى "طهرمس" قرية من قرى مصر، وكان من نكارة وضعه وجرأته على الحديث أنه ينسبه إلى سلسلة الذهب، سلسلة مالك عن نافع عن ابن عمر، كي يروج الحديث وينتشر، ولكن العلماء بينوا حقيقة الأمر، وحكموا عليه بالرد.

قال ابن حبان: "يضع الحديث صراحا، لا يحل ذكره في الكتب إلا على سبيل القدح فيه"

وقال ابن عدي: "روى عن ابن وهب بأحاديث مناكير، وما أظنه رآه... [ ثم أسند حديثه هذا الوارد في السؤال وحكم عليه بقوله ]: وهذه الأحاديث بواطيل".

وقال أبو عبد الله الحاكم: "روى عن ابن وهب أحاديث موضوعة، ساقط الحديث" كما في "لسان الميزان" (1/379) .

وقال الخليلي: "منكر من حديث مالك، ومن حديث ابن وهب, إنما الحمل فيه على الطهرمسي"

وقال ابن الجوزي: "هذا حديث موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمتهم به إسحاق".

وقال الذهبي: "هذا حديث موضوع بيقين" انتهى من "تاريخ الإسلام" (6/51)

وقال أيضا: "هكذا فليكن الكذب، لكن قد روى أبو أسامة، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، أنه قال [يعني موقوفا من كلامه ، وليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم]: (لرد دانق من حرام أفضل من إنفاق مائة ألف في سبيل الله)" انتهى من "ميزان الاعتدال" (1/ 203)

وقال الشوكاني: "فِي إِسْنَادِهِ كذاب. قال الصغاني: موضوع" انتهى من "الفوائد المجموعة" (ص145)

هذا وللحديث طرق أخرى مسروقة، لم نشأ التطويل بنقلها وتسويد الصفحات بمثلها.

ثانيا :

إذا صدر مثل هذا الكلام عن أحد الصحابة أو السلف الصالحين، فيحتمل أن يقبل من مثله، إذا أراد به الزجر عن أكل المال الحرام، خاصة وأن خطورة الحرام تتضاعف حين تتعلق بحقوق العباد، فيجمع العاصي حينئذ بين إثمي المال الحرام، والعدوان على حقوق العباد.

يقول ابن رجب رحمه الله:

"والظاهر أن ما ورد من تفضيل ترك المحرمات على فعل الطاعات، إنما أريد به على نوافل الطاعات، وإلا فجنس الأعمال الواجبات أفضل من جنس ترك المحرمات، لأن الأعمال مقصودة لذاتها، والمحارم المطلوب عدمها، ولذلك لا تحتاج إلى نية، بخلاف الأعمال، ولذلك كان جنس ترك الأعمال قد تكون كفرا كترك التوحيد، وكترك أركان الإسلام أو بعضها على ما سبق، بخلاف ارتكاب المنهيات، فإنه لا يقتضي الكفر بنفسه.

ويشهد لذلك قول ابن عمر: لرد دانق من حرام أفضل من مائة ألف تنفق في سبيل الله.

وعن بعض السلف قال: ترك دانق مما يكرهه الله أحب إلي من خمسمائة حجة.

وقال ميمون بن مهران: ذكر الله باللسان حسن، وأفضل منه أن يذكر الله العبد عند المعصية فيمسك عنها.

وقال ابن المبارك: لأن أرد درهما من شبهة، أحب إلي من أن أتصدق بمائة ألف ومائة ألف، حتى بلغ ستمائة ألف.

وقال عمر بن عبد العزيز: ليست التقوى قيام الليل، وصيام النهار، والتخليط فيما بين ذلك .

ولكن التقوى : أداء ما افترض الله، وترك ما حرم الله، فإن كان مع ذلك عمل، فهو خير إلى خير، أو كما قال.

وقال أيضا: وددت أني لا أصلي غير الصلوات الخمس سوى الوتر، وأن أؤدي الزكاة، ولا أتصدق بعدها بدرهم، وأن أصوم رمضان ولا أصوم بعده يوما أبدا، وأن أحج حجة الإسلام ثم لا أحج بعدها أبدا، ثم أعمد إلى فضل قوتي، فأجعله فيما حرم الله علي، فأمسك عنه.

وحاصل كلامهم يدل على أن اجتناب المحرمات - وإن قلت - أفضل من الإكثار من نوافل الطاعات ؛ فإن ذلك فرض، وهذا نفل" انتهى من "جامع العلوم والحكم" (1/ 253-254)

والله أعلم.

أسئلة متعلقة أخري
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي...