عنوان الفتوى : تفسير قوله تعالى: ( لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ) وعلاقته بالكسوف والخسوف
قال تعالى :( لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ) قرأت لأحد الناس على الإنترنت يقول : إن هذا يعارض ـ استغفر الله ـ الكسوف فهنا الشمس أدركت القمر ، والليل جاء في النهار، أعلم أن هذا ليس صحيحا ، لذلك أردت أن تعطوني إجابه تنهي هذه الشبهة .
الجواب :
الحمد لله
أولًا:
اعلم أخانا الكريم أن الله تعالى هو الذي خلق فسوى، وقدر وهدى، وأن ما في الكون شاهد على عظمة الله تعالى وكبريائه .
وأنه أخبر عن خلقه، والصانع أدرى بصنعته، فالله تعالى أدرى بخلقه : ( أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) الملك/14 .
ثم اعلم أن هذه الآيات مرت على العرب، وهم أشد الناس معارضة، وكان الكسوف والخسوف يحدث في زمان العرب، ولم يرد أن أحدًا منهم اعترض على البي صلى الله عليه وسلم، بأن الشمس أدركت القمر، فأنى له أن يزعم أنها لا تدركه ؟!!
نعم ! لم يعترض واحد منهم بهذه الحجة، فدل أنها ليست كذلك ، وإنما هي من سوء فهم الآيات ، وسوء فهم الظواهر الكونية أيضا .
ثانيًا:
المراد بالآية الكريمة - أخي الكريم -: أن الشمس لا ينبغي لها أن تطلع بالليل، لأن الليل وقت طلوع القمر، ولا ينبغي للقمر أن يطلع بالنهار لأن هذا وقت طلوع الشمس .
يقول الإمام ابن جرير رحمه الله :
" لا الشمس يصلح لها إدراك القمر، فيذهب ضوؤها بضوئه، فتكون الأوقات كلها نهارا لا ليل فيها ، ( ولا الليل سابق النهار) [يس: 40] : يقول تعالى ذكره: ولا الليل بفائت النهار ، حتى تذهب ظلمته بضيائه، فتكون الأوقات كلها ليلا "، الطبري: (19/ 438).
وقال ابن كثير رحمه الله: " وقال (هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب) الآية [يونس: 5] ، وقال: (وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شيء فصلناه تفصيلا) [الإسراء: 12] ، فجعل الشمس لها ضوء يخصها، والقمر له نور يخصه، وفاوت بين سير هذه وهذا، فالشمس تطلع كل يوم ، وتغرب في آخره على ضوء واحد، ولكن تنتقل في مطالعها ومغاربها صيفا وشتاء، يطول بسبب ذلك النهار ويقصر الليل، ثم يطول الليل ويقصر النهار، وجعل سلطانها بالنهار، فهي كوكب نهاري.
وأما القمر، فقدره منازل، يطلع في أول ليلة من الشهر ضئيلا قليل النور، ثم يزداد نورا في الليلة الثانية، ويرتفع منزلة، ثم كلما ارتفع ازداد ضياء، وإن كان مقتبسا من الشمس، حتى يتكامل نوره في الليلة الرابعة عشرة، ثم يشرع في النقص إلى آخر الشهر، حتى يصير كالعرجون القديم.
وقوله: (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر) : قال مجاهد: لكل منهما حد لا يعدوه ولا يقصر دونه، إذا جاء سلطان هذا ، ذهب هذا، وإذا ذهب سلطان هذا ، جاء سلطان هذا "، تفسير ابن كثير: (6/ 578).
وذكر الطاهر ابن عاشور رحمه الله : أن المعنى: نفي الاصطدام، فالشمس لا ينبغي لها أن تصطدم بالقمر، ولا العكس .
قال: " والمعنى: نفي أن تصطدم الشمس بالقمر، خلافا لما يبدو من قرب منازلهما "، التحرير والتنوير: (23/ 24).
وعلى أي من هذه المعاني فلا تعارض بين الآية وبين الخسوف أو الكسوف، لأن ذلك ليس هو الإدراك المقصود من الآية الكريمة .
والله أعلم
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |