عنوان الفتوى : مراعاة المصالح والمفاسد ومناصرة الشواذ بحجة وقوفهم مع المسلمين

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

في كثير من الأحيان يتبنى العلماء هنا في الغرب باب المصلحة العامة ، أو الأخذ بالجيد وترك السئ ، وهو أمر أتفهمه ، ولكن ذلك يخلق لبسًا كبيرًا لدى العامة ، فعلى سبيل المثال : مسألة أنه ينبغي علينا مناصرة من يطالبون بحقوق الشاذين جنسيًا ؛ لإن كثيرا منهم يقفون ضد الحظر المفروض على المسلمين ، وعليه لا يمكننا القول بأننا ضد المثليين ، فذلك سيؤي إلى مزيد من العنصرية، ، وكذلك مسألة مصافحة المرأة ، وعدم إعفاء اللحية ؛ حتى يتمكن الرجل من العمل ، وإطعام عائلته ، فضلًا أننا لا نريدهم أن يظنوا أننا ضد المرأة ، وكذلك الأمر بالنسبة للقروض الربوية لشراء المنزل للعيش في استقرار ، فآمل توضيح الموقف الصحيح من هذه الأقوال .

مدة قراءة الإجابة : 4 دقائق

الحمد لله

الشريعة قائمة على تحصيل المصالح وتكميلها، ودرء المفاسد وتقليلها.

والموازنة بين المصالح والمفاسد والترجيح بينها باب دقيق من أبواب الفقه، فقد يترك الواجب، لدفع مفسدة أعظم، ويرتكب أهون الشرين لدفع أعلاهما.

ولشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فصل نافع سماه: "فصل جامع في تعارض الحسنات؛ أو السيئات؛ أو هما جميعا" جاء فيه:

"فالتعارض إما بين:

1 - حسنتين لا يمكن الجمع بينهما؛ فتقدم أحسنهما بتفويت المرجوح.

2 - وإما بين سيئتين لا يمكن الخلو منهما؛ فيدفع أسوأهما باحتمال أدناهما.

3 - وإما بين حسنة وسيئة لا يمكن التفريق بينهما؛ بل فعل الحسنة مستلزم لوقوع السيئة؛ وترك السيئة مستلزم لترك الحسنة؛ فيرجح الأرجح من منفعة الحسنة ومضرة السيئة" انتهى من مجموع الفتاوى (20/ 48).

وينظر تتمة كلامه وفيه ذكر أمثلة لهذه القواعد، مع كلام حسن لابن القيم أيضا، في جواب السؤال رقم (241060).

والمقصود أن الموازنة بين المصالح والمفاسد باب دقيق، ولا يقوم بها إلا العلماء المتقنون.

وقد ذكرت في سؤالك أمورا متفاوتة، فالفاحشة والشذوذ والربا: ليستا كمصافحة الأجنبية، وحلق اللحية، مثلا .

فإن الشذوذ كبيرة عظيمة من كبائر الذنوب، وانتشارها في المجتمع من أسباب الهلاك ونزول العذاب، والإقرار بحق الشواذ قد يفهم منه إباحة ذلك ، وأنه ليس محرما ولا جرما، وهذا كفر بيِّن.

وكيفما كان الأمر ، فلا نرى رخصة في مجاملة الشواذ بحجة تقليل العنصرية، أو كون هؤلاء يقفون مع قضايا المسلمين، فإن انتشار الشذوذ هلاك للمجتمع، ومضرته ستعود على المسلمين وغيرهم. ومفسدة الرضا بمنكرهم العظيم ، أو الإقرار به : أعظم في ميزان الشرع ، من كل ما يتوهم من المصالح في ذلك .

والربا كبيرة من كبائر الذنوب أيضا، وفاعله متوعَّد باللعن والمحق والحرب، فلا يباح إلا عند الضرورة.

والحاجة إلى السكن تندفع بالاستئجار، ولهذا يخطئ من يرخص في الربا لشراء أو بناء المسكن. وينظر: جواب السؤال رقم (39829) ورقم (126056) ورقم (101080).

وأما مصافحة المرأة الأجنبية فمحرمة، وقد يترتب على تركه مفسدة نفور المرأة من الإسلام وظنها أن ذلك إهانة للمرأة، لكن هذه المفسدة يمكن دفعها بالبيان والشرح، وفي غير المسلمين من لا يصافح النساء أيضا، أو من لا تصافح الرجال، فتفهّم هذه المسألة سهل ويسير غالبا.

وأما حلق الرجل لحيته فمحرم، لكن إن أُكره على حلقها، أو لحق به ضرر  معتبر فلم يتمكن من العمل وإعالة نفسه وأهله إلا بحلقها ، أو تخفيفها : جاز ذلك، من باب ارتكاب أهون الشرين وأخف المفسدتين .

وينظر: جواب السؤال رقم (82720) ورقم (70319) ورقم (52886).

والحاصل : أن إعمال الموازنة بين المصالح والمفاسد لابد منه، ولا يكون ذلك إلا على يد العلماء، وقد يخطئ بعضهم في ذلك فلا يتابع على خطئه.

والله أعلم.