عنوان الفتوى : حول صحة ما نسب إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه كان يضرب من يقرأ آية المتعة وأن عائشة رضي الله عنها شنعت عليه بذلك
أرغب في الاستفسار عن صحة موضوع قرأت عنه ، وهو : أن سيدنا علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنها ـ كان يضرب من يقرأ آية المتعة ، وأن السيدة عائشة ـ رضي الله عنها ـ شنعت عليه ، وقالت: إنه يجلد على القرآن ، وينهى عنه ، وقد بدله وحرفه ، أعلم أنه لا توجد آية كآية المتعة في القرآن الآن ، ولكن هل نزلت ، ونسخت بعدها ، وظل الناس يقرؤونها ، ولم يصلهم العلم بنسخها و حكمها ؟ وكيف لا تعلم السيدة عائشة بذلك ، وتشنع على سيدنا علي ـ رضي الله عنهما ـ وهي تعلم تمام العلم ، وهي زوج رسول الله، ومن أكثر الناس علما أن الآية ليست من القرآن ، وتقول يجلد على القرآن ؟ ثم هل الرواية صحيحة من الأساس ؟
الحمد لله
أولا :
لا يزال أعداء دين الله عز وجل يختلقون الكذب على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ليطعنوا في دين الله عز وجل ، وهؤلاء يريدون تجريح حملة الدين كما قال أبو زرعة الرازي رحمه الله :" إِذَا رَأَيْتَ الرَّجُلَ يَنْتَقِصُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَّ فَاعْلَمْ أَنَّهُ زِنْدِيقٌ ، وَذَلِكَ أَنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَّ عِنْدَنَا حَقٌّ ، وَالْقُرْآنَ حَقٌّ ، وَإِنَّمَا أَدَّى إِلَيْنَا هَذَا الْقُرْآنَ وَالسُّنَنَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَّ ، وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ أَنْ يُجَرِّحُوا شُهُودَنَا لِيُبْطِلُوا الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ ، وَالْجَرْحُ بِهِمْ أَوْلَى وَهُمْ زَنَادِقَةٌ . أخرجه الخطيب في "الكفاية" (ص49)
ومن ذلك الكذب ما سأل عنه ونقله الأخ الكريم في سؤاله ، فإنه كذب لم يرد ولم يرو قط بإسناد ولو ضعيف عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، ولا عن علي رضي الله عنه .
ولقد كان أول من ذكر هذا الإفك والزور هو ما نسب إلى رجل يدعى عبد المسيح الكندي ذكره في رسالة جوابا على رسالة رجل من المسلمين يدعى عبد الله بن إسماعيل الهاشمي دعاه إلى الإسلام فكتب ردا على رسالته يعرف باسم ( جواب عبد المسيح الكندي إلى عبدالله بن اسماعيل الهاشمي ) ذكر فيها في أثناء حديثه عن القرآن قال :" وكذلك آية المتعة فإن علياً كان أسقطها وقال إنه سمع رجلاً يقرأها على عهده فدعاه وضربه بالسوط ، وأمـر الناس ألا يقرأها أحد ، فكان هذا بعض ما شـنَّعت به عليه عائشة يوم الجمل ، وقد دخلت منزل عبد اللـه بن خلف الخزاعي ، فقالت في بعض قولها: "إنه يجلد على القرآن ويضرب عليه وينهى عنه وقد بدَّل وحرَّف". انتهى
وهذه الرسالة ليس لها سند أصلا ، وقد صنف الشيخ نعمان بن محمد الألوسي المولود سنة 1252هـ والمتوفى سنة 1317هـ ، وهو ابن الشيخ الألوسي المفسر صاحب كتاب روح المعاني ، صنف كتابا بعنوان :"الجواب الفسيح لما لفقه عبد المسيح" ، ذكر فيها نص الرسالة المنسوبة إلى عبد المسيح الكندي هذا ، ثم ردّ عليها جملة جملة فأجاد وأفاد ، وهو مطبوع متداول .
وكذلك ذكرها الزرقاني عن بعض من يثير الشبهات في "مناهل العرفان" (1/263) .
وكذا نقلها الشيخ محمد رشيد رضا في "مجلة المنار" (6/25) فقال :" نشرت مجلة ( البروتستنت ) المصرية في الجزء الرابع من المجلد الثالث - نبذة في الطعن بالقرآن، نقلتها عن كتاب لهم، يقال: إن للشيخ إبراهيم اليازجي يدًا في تصحيحه أو تأليفه أو ترجمته ... وقد نقل الكاتب عن عبد المسيح الكندي أن عليًا ... ثم ساق الكلام كما جاء في السؤال ". انتهى
وقد نقل هذه الشبهة الشيخ محمد أبو شهبة في "المدخل لدراسة القرآن الكريم" (ص292) وعلق قائلا :" أما ما يذكره عن عليّ أنه أسقط آية المتعة ... الخ : فكذب وافتراء عليه ". انتهى
وينظر جواب السؤال رقم (256137).
والله أعلم .