عنوان الفتوى : حكم التيمم على حجر أملس لا تراب عليه
هل يجوز التيمم بحجر ، لكثرة التيمم عليه أصبح أملسا ، كأنه دهن بزيت ؟ علما إن المالكية يفتوننا بجواز التيمم على الحجر.
الحمد لله.
يصح التيمم بكل ما صعد على وجه الأرض من تراب وطين وحجر ورمل؛ لقوله تعالى: (فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا ) النساء/43 ، والصعيد: وجه الأرض. والطيب: الطاهر .
فيجوز التيمم بكل ما هو من جنس الأرض، وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك، فيصح التيمم عندهما بالتراب والحجر والرمل والحصى.
قال الكاساني في بدائع الصنائع (1/ 53): " وأما بيان ما يتيمم به، فقد اختلف فيه :
قال أبو حنيفة ومحمد: يجوز التيمم بكل ما هو من جنس الأرض .
وعن أبي يوسف روايتان: في رواية : بالتراب والرمل، وفي رواية : لا يجوز إلا بالتراب خاصة...
ثم لا بد من معرفة جنس الأرض، فكل ما يحترق بالنار فيصير رمادا ، كالحطب والحشيش ونحوهما، أو ما ينطبع ويلين ، كالحديد والصفر والنحاس والزجاج، وعين الذهب والفضة ونحوها: فليس من جنس الأرض، وما كان بخلاف ذلك ، فهو من جنسها .
ثم اختلف أبو حنيفة ومحمد فيما بينهما، فقال أبو حنيفة: يجوز التيمم بكل ما هو من جنس الأرض، التزق بيده شيء أو لا.
وقال محمد: لا يجوز إلا إذا التزق بيده شيء من أجزائه، فالأصل عنده أنه لا بد من استعمال جزء من الصعيد، ولا يكون ذلك إلا بأن يلتزق بيده شيء .
(وعند) أبي حنيفة هذا ليس بشرط، وإنما الشرط: مس وجه الأرض باليدين وإمرارهما على العضوين.
وإذا عرف هذا : فعلى قول أبي حنيفة يجوز التيمم بالجص والنورة والزرنيخ والطين الأحمر والأسود والأبيض، والكحل والحجر الأملس والحائط المطين والمجصص والملح الجبلي ، دون المائي ، والآجر والخزف المتخذ من طين خالص، والياقوت والفيروزج والزمرد والأرض الندية والطين الرطب،.
(وعند) محمد : إن التزق بيده شيء منها بأن كان عليها غبار ، أو كان مدقوقا: يجوز. وإلا ، فلا. وجه قول محمد : أن المأمور به استعمال الصعيد، وذلك بأن يلتزق بيده شيء منه، فأما ضرب اليد على ما له صلابة وملاسة من غير استعمال جزء منه، فضرب من السفه .
ولأبي حنيفة أن المأمور به هو التيمم بالصعيد مطلقا ، من غير شرط الالتزاق، ولا يجوز تقييد المطلق إلا بدليل.
وقوله: " الاستعمال شرط " : ممنوع ... ولهذا أمر بنفض اليدين، بل الشرط إمساس اليد المضروبة على وجه الأرض ، على الوجه واليدين ، تعبدا غير معقول المعنى ، لحكمة استأثر الله تعالى بعلمها " انتهى.
وقال الدردير في الشرح الصغير مع الصاوي (1/ 196): " (ورمل وحجر وجص لم يطبخ): أي يجوز التيمم على كل مما ذكر. والجص نوع من الحجر يحرق بالنار ، ويسحق ، ويبنى به القناطر والمساجد والبيوت العظيمة، إذا أحرق - وهو المراد بالطبخ - : لم يجز التيمم عليه، لأنه خرج بالصنعة عن كونه صعيدا" انتهى.
وفي التاج والإكليل (1/ 517): " وفي المدونة: لا بأس بالتيمم على الصفا والسبخة. عياض: الصفا الحجارة التي لا تراب عليها، والسبخة الأرض المالحة" انتهى.
فعلم بهذا جواز التيمم على الحجر الأملس الذي لا تراب عليه، في مذهب الحنفية والمالكية.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " والصَّواب: أنَّ كلَّ ما على الأرض من تُراب، ورَمْل، وحجر محتَرِق أو غير محتَرِق، وطين رطب، أو يابس فإِنه يُتيمَّم به" انتهى من الشرح الممتع (1/ 393).
وسئل رحمه الله: "عن المريض لا يجد التراب فهل يتيمم على الجدار، وكذلك الفرش أم لا؟
فأجاب: الجدار من الصعيد الطيب، فإذا كان الجدار مبنيا من الصعيد سواء كان حجرا أو كان مدرا ـ لبنا من الطين ـ، فإنه يجوز التيمم عليه .
أما إذا كان الجدار مكسوا بالأخشاب أو (بالبوية) فهذا إن كان عليه تراب ـ غبار ـ فإنه يتيمم به ولا حرج، ويكون كالذي يتيمم على الأرض، لأن التراب من مادة الأرض، أما إذا لم يكن عليه تراب، فإنه ليس من الصعيد في شيء، فلا يتيمم عليه.
وبالنسبة للفرش نقول: إن كان فيها غبار فليتيمم عليها، وإلا فلا يتيمم عليها لأنها ليست من الصعيد" انتهى من "فتاوى ابن عثيمين" (11/ 240).
ولا شك أنه ينبغي الاحتياط للعبادة ، لا سيما مع قوة الخلاف في المسألة ؛ فمتى وجد التراب ، فإنه لا يعدل عنه إلى غيره من أجزاء الأرض ، فإن التيمم به : صحيح مجزئ ، بالإجماع ، والتيمم بغيره : مختلف فيه ، والخروج من الخلاف في مثل هذا : مستحب ، متأكد ، ما أمكن .
فإن لم يجد التراب ، فالأقرب أنه يتيمم بما وجد من أجزاء الأرض . وهذا هو ظاهر اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ؛ أنه يجوز التيمم بغير التراب من أجزاء الأرض ، إذا لم يجد ترابا . قال : وهو رواية عن أحمد .
ينظر : "الاختيارات الفقهية" (20) ، "الإنصاف" للمرداوي (2/216) .
والله أعلم.
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |