عنوان الفتوى : هل الملائكة عليهم السلام يصدر منهم الشر
هل يوجد للملائكة شر استنادًا لقوله تعالى: "من شر ما خلق" وما التفسير المفصل لهذه الآية -جزاكم الله عنا كل خير-؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الملائكة اخيار أبرار خلقوا لعبادة الله، وطاعته، والخضوع المطلق لأوامره سبحانه، كما قال الله تعالى: لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ {التحريم:6}، وقال تعالى: وَمَنْ عِندَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ {الأنبياء:19}، وقال: فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ {فصلت: 38}، وقال: جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا {فاطر: 1}.
لذلك فهم معصومون من الظلم، ولا يصدر منهم الشر، وقد كلف الله بعضهم بوظائف تتعلق بالناس، فجعل منهم ملائكة اليمين والشمال، وهم الحفظة الموكلون بكتابة أعمال بني آدم، وهؤلاء هم المعنيون بقوله: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ* كِرَامًا كَاتِبِينَ {الانفطار:10-11}، وقوله: إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ {ق: 17}.
وجعل منهم من يحرسون العباد، كما قال الله تعالى: لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ {الرعد:11}،
ومنهم من يكلفهم الله بنزع أرواح الكفرة نزعًا شديدًا بلا رفقة، ولا هوادة، وربما يضربونهم، كما قال تعالى: وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ [الأنعام:93]، وقال: وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ [الأنفال:50]، وقال تعالى في شأن الكفار الهلكى ببدر: إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى المَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ {الأنفال:12}.
ومنهم من يدبر الأمور -بإذن الله تعالى- قال ابن عطية في تفسير قوله تعالى: فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً قال: لا أحفظ خلافًا أنها الملائكة، ومعناه أنها التي تدبر الأمور التي سخرها الله تعالى، وصرفها فيها، كالرياح، والسحاب، وسائر المخلوقات. انتهى.
وقال البغوي: فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً: قال ابن عباس: هم الملائكة، وكلوا بأمور عرفهم الله عز وجل العمل بها... اهـ
وأما آية الفلق فقد فسرها ابن الجوزي في زاد المسير في علم التفسير بقوله: قوله عز وجل: من شر ما خلق، وقرأ ابن السميفع، وابن يعمر: «خلق» بضم الخاء، وكسر اللام، فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه عام، وهو الأظهر.
والثاني: أن شر ما خلق: إبليس وذريته، قاله الحسن.
والثالث: جهنم، حكاه الماوردي. اهـ
وفي تفسير القرطبي: وقوله تعالى: (من شر ما خلق) قيل: هو إبليس وذريته، وقيل جهنم، وقيل: هو عام، أي من شر كل ذي شر خلقه الله عز وجل. اهـ
ولا يفهم من عمومها أن في الملائكة شرًّا فقد جاء في التفسير القيم لابن القيم: وقد دخل في قوله تعالى: «من شر ما خلق» الاستعاذة من كل شر في أي مخلوق قام به الشر: من حيوان، أو غيره، إنسيًّا كان أو جنيًّا، أو هامة، أو دابة، أو ريحًا، أو صاعقة، أي نوع كان من أنواع البلاء.
فإن قلت: فهل في «ما» ها هنا عموم؟.
قلت: فيها عموم تقييدي وصفي، لا عموم إطلاقي، والمعنى: من شر كل مخلوق فيه شر، فعمومها من هذا الوجه، وليس المراد الاستعاذة من شر كل ما خلقه الله، فإن الجنة وما فيها ليس فيها شر، وكذلك الملائكة، والأنبياء فإنهم خير محض، والخير كله حصل على أيديهم، فالاستعاذة من شر ما خلق: تعم شر كل مخلوق فيه شر، وكل شر في الدنيا والآخرة، وشر شياطين الإنس، والجن، وشر السباع، والهوام، وشر النار، والهواء، وغير ذلك. اهـ
والله أعلم.