عنوان الفتوى : حكم تزويج من زعم أنه المهدي وأنكر أن محمدا صلى الله عليه وسلم خاتم المرسلين.

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

ما هو حكم من زعم أنه هو المهدي المنتظر هل هو كافر؟ وما حكم زواجه من مسلمة علما بأنه لا يؤمن أيضا بأن محمدا خاتم المرسلين وما حكم من صدَّقه وأعان على نشر كذبه؟ وهل يقع في الكبيرة من زوج ابنته لهذا الرجل ؟

مدة قراءة الإجابة : 10 دقائق

الحمد لله

أولا:

المهدي رجل من أمة محمد صلى الله عليه وسلم يكون آخر الزمان، وله صفات مبينة في الأحاديث الصحيحة، حاصلها ما يلي:

1. أنه مِن ولد فاطمة ابنة النبي صلى الله عليه وسلم ، ومِن ذرية الحسن بن علي رضي الله عنه ، واسمه محمد بن عبد الله  .

2. أنه يخرج في آخر الزمان ، مصاحباً لنزول عيسى عليه السلام ، ومقتل الدجال .

 3. أنه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ، كما ملئت جوراً وظلماً .

 4. يمكث سبعاً ، أو ثمانياً من السنين ؛ وتكثر الخيرات في زمنه .

 5. ينصر الله به الإسلامَ ، والمسلمين ، وتكون العزة في الأرض لأهل الإسلام .

6. وَصَفَه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه أَجْلَى الْجَبْهَةِ ( انحسار الشَّعر عن مقدّمة الجبهة ) ، أَقْنَى الأَنْفِ ( أي : أنفه طويل رقيق في وسطه حدب).

7 . يعتصم بالبيت الحرام ، ويغزوه جيشٌ يُخسف به بين مكة والمدينة .

 8. وهو لا يدَّعي المهدية لنفسه ، وإنما الناس يبايعونه لدلائل يرونها فيه .

 9. يصلي خلفه عيسى عليه السلام .

وللوقوف على بعض أحاديث المهدي، وعقيدة أهل السنة والجماعة فيه: انظري جواب السؤال رقم : ( 1252 ) ورقم ( 43840 ).

ولا وجود للمهدي الآن، من ادعى أنه المهدي فإنه كاذب، لأن المهدي لا يدعي ذلك كما سبق، هذا على فرض انطباق بقية الصفات عليه.

" قَالَ حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ: قُلْتُ لِسُفْيَانَ:

يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ! إِنَّ النَّاسَ قَدْ أَكْثَرُوا فِي المَهْدِيِّ، فَمَا تَقُوْلُ فِيْهِ؟

   قَالَ: إِنْ مَرَّ عَلَى بَابِكَ، فَلاَ تَكُنْ فِيْهِ فِي شَيْءٍ، حَتَّى يَجْتَمِعَ النَّاسُ عَلَيْهِ." انتهى .

"سير أعلام النبلاء" (7/253) .

 ثانيا:

من لم يؤمن بأن محمدا صلى الله عليه وسلم خاتم المرسلين، فإنه كافر؛ لتكذيبه ما هو صريح القرآن والسنة والإجماع. قال تعالى: ( مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ) الأحزاب/40، وإذا كان خاتمَ النبيين فهو خاتم المرسلين، فإن الرسول أخص من النبي.

قال ابن كثير رحمه الله: " وقوله: ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما كقوله: الله أعلم حيث يجعل رسالته [الأنعام:124] فهذه الآية نص في أنه لا نبي بعده، وإذا كان لا نبي بعده فلا رسول [بعده] بطريق الأولى والأحرى؛ لأن مقام الرسالة أخص من مقام النبوة، فإن كل رسول نبي، ولا ينعكس. وبذلك وردت الأحاديث المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث جماعة من الصحابة" انتهى من تفسير ابن كثير (6/ 428).

وروى البخاري (3535) ومسلم (2286) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (إِنَّ مَثَلِي وَمَثَلَ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي، كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بَيْتًا فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ، إِلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ، وَيَعْجَبُونَ لَهُ، وَيَقُولُونَ هَلَّا وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ؟ قَالَ: فَأَنَا اللَّبِنَةُ وَأَنَا خَاتِمُ النَّبِيِّينَ).

وروى مسلم (523) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( فُضِّلْتُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ: أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ، وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا، وَأُرْسِلْتُ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً، وَخُتِمَ بِيَ النَّبِيُّونَ).

وروى مسلم (2354) عن جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَنَا أَحْمَدُ، وَأَنَا الْمَاحِي، الَّذِي يُمْحَى بِيَ الْكُفْرُ، وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى عَقِبِي، وَأَنَا الْعَاقِبُ وَالْعَاقِبُ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ نَبِيٌّ).

 قال ابن حزم رحمه الله عمن ادعى: " أَن بعد مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَبيا غير عِيسَى بن مَرْيَم: فَإِنَّهُ لَا يخْتَلف اثْنَان فِي تكفيره ، لصِحَّة قيام الْحجَّة بِكُل هَذَا ، على كل أحد" انتهى من الفصل (3/ 139).

وقال القاضي عياض رحمه الله: " وكذلك من ادعى نبوة أحد مع نبينا صلى الله عليه وسلم ، أو بعده ، كالعيسوية من اليهود القائلين بتخصيص رسالته إلى العرب، وكالخرمية القائلين بتواتر الرسل، وكأكثر الرافضة القائلين بمشاركة علي في الرسالة للنبي صلى الله عليه وسلم وبعده، فكذلك كل إمام عند هؤلاء ، يقوم مقامه في النبوة والحجة، وكالبزيغية والبيانية منهم ، القائلين بنبوة بزيغ وبيان، وأشباه هؤلاء، أو من ادعى النبوة لنفسه، أو جوّز اكتسابها والبلوغ بصفاء القلب إلى مرتبتها ، كالفلاسفة وغلاة المتصوفة .

وكذلك من ادعى منهم أنه يوحى إليه وإن لم يدع النبوة، أو أنه يصعد إلى السماء ، ويدخل الجنة ويأكل من ثمارها ويعانق الحور العين :

فهؤلاء كلهم كفار ، مكذبون للنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أخبر صلى الله عليه وسلم أنه خاتم النبيين ، لا نبي بعده، وأخبر عن الله تعالى أنه خاتم النبيين، وأنه أرسل كافة للناس .

وأجمعت الأمة على حمل هذا الكلام على ظاهره ، وأن مفهومه المراد به ، دون تأويل ولا تخصيص، فلا شك في كفر هؤلاء الطوائف كلها قطعا إجماعا وسمعا" انتهى من الشفا 2/ 285).

وقال الملا علي القاري رحمه الله: "ودعوى النبوة بعد نبينا صلى الله عليه وسلم كفر بالإجماع" انتهى من شرح الفقه الأكبر، ص244

فتبين بهذا أن إنكار ختم الرسالة والنبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم كفر وردة عن الإسلام، فمن زعم ذلك، أو صدق أحدا عليه ، أو أعانه على نشره، فهو كافر بالله مرتد عن الإسلام.

ولا ندري ما علاقة ادعاء المهدية ، بإنكار ختم النبوة والرسالة، فإن المهدي لا يكون نبيا ولا رسولا، وإنما هو رجل صالح تابع للنبي صلى الله عليه وسلم.

وهذا يدل على أن المذكور دجال كذاب ؛ بل مرتد عن الإسلام.

ثانيا:

من كان هذا حاله، فلا يجوز تزويجه؛ لأنه لا يجوز ولا يصح تجويز مسلمة من كافر.

قال الله تعالى : ( وَلَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا ) البقرة / 221 .

 قال الطبري رحمه الله : " يعني تعالى ذكره بذلك ، أن الله قد حرَّم على المؤمنات أن ينكحن مشركا ، كائنا من كان المشرك ، ومن أي أصناف الشرك كان ، قلا تنكحوهنَّ أيها المؤمنون منهم ، فإن ذلك حرام عليكم " انتهى من " تفسير الطبري " (4/370).

وقال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا ) الممتحنة /10 .

قال ابن كثير رحمه الله : " وقوله تعالى : ( لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ) : هذه الآية هي الّتي حرّمت المسلمات على المشركين " انتهى من " تفسير القرآن العظيم " (13/521) .

ومن زوج ابنته من هذا المرتد ، مع علمه بحاله : فقد ارتكب إثما عظيما، وصار ديوثا قوادا على ابنته ، حيث مكن الفاجر من وطء ابنته وطأ حراما، فإن هذا ليس نكاحا، كما تقدم، وأقل أحواله أن يكون كبيرة من الكبائر، فإن استحل ذلك، أو وافق المرتد على ردته : كان كافرا ، والعياذ بالله .

والله أعلم.