عنوان الفتوى : حكم الصلاة على الأنبياء عند سماع أسمائهم أو رؤيتها مكتوبة
إذا سمعت اسم النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن، فهل يجب علي أن أصلي عليه؟ وإذا رأيت اسمه صلى الله عليه وسلم مكتوبا، فهل يجب علي أن أصلي عليه صلى الله عليه وسلم؟ وهل تجب الصلاة على جميع الأنبياء عند ذكرهم أو عند سماع ذكرهم؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن من سمع ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم مطالب بأن يصلي عليه، أخرج الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: البخيل من ذكرت عنده فلم يصلَّ علي.
وروى الترمذي، والبخاري في الأدب المفرد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي.
وقد حمل الجمهور هذا الأمر على الاستحباب، ورجح ابن القيم حمله على الوجوب، ورجح الشوكاني مذهب الجمهور، وقد قدمنا كلامهما في الفتوى رقم: 175133.
وهذا الأمر يشمل من سمع ذكر اسمه صلى الله عليه وسلم في القرآن وفي غيره، وتشرع كذلك الصلاة على غيره من الأنبياء، كما قال ابن القيم والنووي على سبيل الاستحباب، ويدل لذلك عموم الأمر الوارد في قوله صلى الله عليه وسلم: صلوا على أنبياء الله ورسله، فإن الله بعثهم كما بعثني. رواه عبد الرزاق في المصنف، وصححه الألباني.
وفي كشاف القناع: وتسن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في غير الصلاة، فإنها ركن في التشهد الأخير وكذا في خطبة الجمعة بتأكد، لقوله تعالى: إن الله وملائكته يصلون على النبي ـ الآية، والأحاديث بها شهيرة، وتتأكد الصلاة عليه كثيرا عند ذكره صلى الله عليه وسلم، بل قيل بوجوبها إذن, وتقدم توضيحه في شرح الخطبة، وفي يوم الجمعة وليلتها للخبر, وأما الصلاة على الأنبياء, فقال ابن القيم في جلاء الأفهام: هي مشروعة، وقد حكى الإجماع على ذلك غير واحد منهم النووي وغيره, والمسألة ذكرها النووي في أذكاره, وذكر أن الملائكة مع الأنبياء في جواز الصلاة عليهم استقلالا وذكر أن الصلاة على الأنبياء مستحبة, قاله ابن قندس, في حاشية الفروع. اهـ.
وقال الرملي في حاشيته على شرح المنهاج: حكمة مشروعية الصلاة عليهم أنهم لما بذلوا أعراضهم فيه لأعدائه فنالوا منهم وسبوهم أعطاهم الله الصلاة عليهم, وجعل لهم أطيب الثناء في السماء والأرض وأخلصهم بخالصة ذكرى الدار فالصلاة عليهم مندوبة لا واجبة.... اهـ.
واختلف هل تطلب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من التالي أثناء التلاوة أم لا؟ فذهب الحنفية إلى أن التلاوة لا تقطع من أجل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند ذكره، فقد جاء في المحيط البرهاني للإمام برهان الدين ـ وهو حنفي: القارئ إذا سمع اسم النبي صلى الله عليه وسلم، لا تجب عليه الصلاة، لأن قراءة القرآن على نظمه وتأليفه أفضل من الصلاة على النبي عليه السلام، فإذا فرغ من قراءته، إن صلى على النبي عليه السلام فحسن، وإن لم يصل فلا شيء عليه.
وقال الهيتمي في تحفة المحتاج: ولو قرأ المصلي أو سمع آية فيها اسمه صلى الله عليه وسلم لم تستحب الصلاة عليه كما أفتى به النووي. اهـ.
وجاء في مصنف ابن أبي شيبة عن الحسن قال: إذا قال الرجل في الصلاة: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً ـ فليصل عليه.
وعارض هذا ما في مصنف ابن أبي شيبة ـ أيضاً ـ قال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن جابر، عن عامر، قال: قلت له: الرجل يمر بهذه الآية في الصلاة: إن الله وملائكته يصلون على النبي ـ أيصلي عليه؟ قال: يمر ـ وقال ابن سيرين: كانوا إذا قرؤوا القرآن لم يخلطوا به ما ليس منه ويمضون كما هم. انتهى.
ويستحب كذلك الصلاة عليه عند رؤية اسمه مكتوبا، فقد كان الإمام أحمد لا يكتب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الأحيان ولكنه ينطقها إذا قرأ أو كتب، كما قال السخاوي في فتح المغيث بشرح ألفية الحديث، ونقل عن الخطيب أنه قال: وبلغني أنه كان يصلي عليه صلى الله عليه وسلم نطقا. اهـ
ونقل عن ابن دقيق العيد أنه قال في الاقتراح: إذا ذكر الصلاة لفظا من غير أن تكون في الأصل فينبغي أن يصحبها قرينة تدل على ذلك، مثل كونه يرفع رأسه عن النظر في الكتاب بعد أن كان يقرأ فيه، وينوي بقلبه أنه هو المصلي لا حاكيا عن غيره... اهـ.
والله أعلم.