عنوان الفتوى : حكم الدعاء الجماعي عقب الصلوات بأن يدعو الإمام ويؤمن المأمومون
لدي سؤال من شقين: أولًا: هل يجوز الدعاء الجماعي بعد الانتهاء من الصلوات الخمس؟ بمعنى أن يدعو الإمام ويقول الناس من خلفه: آمين؟ أم ينبغي أن يدعو كل شخص بمفرده؟ ثانيا: هل يجوز الدعاء الجماعي بعد الانتهاء من صلاة الجمعة؟ أم ينبغي أن يدعو كل شخص بمفرده؟ وهل هنالك اختلاف في المذاهب في ما يخص هذه المسألة؟ وما هو قول المذهب المالكي؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالمداومة على الدعاء عقب الفريضة جائز، كما ذكرنا في الفتوى رقم: 105432.
وأما الدعاء الجماعي: فجائز كذلك بعد الصلاة ما لم يُتخذ عادة في صلاة الجمعة، أو غيرها، وراجع الفتويين رقم: 54717، ورقم: 101904، وتوابعهما، والفتوى رقم: 10006، وتوابعها.
وأما مذاهب العلماء في الدعاء الجماعي بعد الصلاة: فمنع أحمد المداومة عليه، وانظر الفتوى رقم: 8381.
وقد بينا في الفتوى رقم: 54717، أن طائفة من أصحاب أبي حنيفة، ومالك أجازوه، وأن السنة العملية دلت على خلاف ذلك.
أما عن المذهب المالكي: فقد كره مالك الدعاء الجماعي عقب الصلاة، فقد قال ابن رشد الجد في البيان والتحصيل:
مسألة: وسئل مالك عن قيام الرجل بعد فراغه من الصلاة يدعو قائمًا، قال: ليس هذا بصواب، ولا أحب لأحد أن يفعله، وسئل أيضًا عن الدعاء عند خاتمة القرآن، فقال: لا أرى أن يدعو، ولا نعلمه من عمل الناس، وسئل عن الرجل ينصرف هو وأصحاب له فيقفون يدعون فأمر بهم، أترى أن أقف معهم؟ قال لا، ولا أحب لهذا الذي يفعل هذا أن يفعله، ولا يقف يدعو. انتهى.
وإن كان بعض المتأخرين من المالكية، وغيرهم أجاز هذه الصورة من الدعاء، جاء في منح الجليل للحطاب المالكي: ولا خلاف في مشروعية الدعاء خلف الصلاة، فقد قال عليه الصلاة والسلام: أسمع الدعاء جوف الليل، وإدبار الصلوات المكتوبات ـ وخرج الحاكم على شرط مسلم من طريق حبيب بن مسلمة الفهري - رضي الله تعالى عنه -: لا يجتمع قوم مسلمون فيدعو بعضهم، ويؤمن بعضهم إلا استجاب الله تعالى دعاءهم ـ وقد أنكر جماعة كون الدعاء بعدها على الهيئة المعهودة من تأمين المؤذن بوجه خاص، وأجازه ابن عرفة، والكلام في ذلك واسع, وقد ألف الشيخ أبو إسحاق الشاطبي فيه، ورام ابن عرفة وأصحابه الرد عليه، وحجتهم في ذلك ضعيفة, وذكر ابن ناجي الكراهة عن القرافي، ثم قال: واستمر العمل على جواز ذلك عندنا بأفريقية, وكان بعض من لقيته ينصره, وقال البرزلي في مسائل الجامع: وسئل عز الدين عن المصافحة عقب صلاة الصبح والعصر أمستحبة أم لا؟ والدعاء عقيب السلام مستحب للإمام في كل صلاة أم لا؟ وعلى الاستحباب، فهل يلتفت ويستدبر القبلة أم يدعو مستقبلً لها؟ وهل يرفع صوته أو يخفض؟ وهل يرفع اليد أم لا في غير المواطن التي ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه يرفع يده فيها؟
فأجاب: المصافحة عقيب صلاة الصبح والعصر من البدع إلا لقادم يجتمع بمن يصافحه قبل الصلاة، فإن المصافحة مشروعة عند القدوم, وكان عليه الصلاة والسلام يأتي بعد السلام بالأذكار المشروعة، ويستغفر ثلاثًا, ثم ينصرف، وروي أنه قال: رب قني عذابك يوم تبعث عبادك ـ والخير كله في اتباع الرسول عليه الصلاة والسلام, وقد استحب الشافعي للإمام أن ينصرف عقب السلام. انتهى.
وقال البساطي في المغني: قال في النوادر عن ابن حبيب: إذا نزل بالناس نائبة فلا بأس أن يأمرهم الإمام بالدعاء، ورفع الأيدي. انتهى.
وجاء في الفواكه الدواني: خاتمة: قد تقدم في باب صفة العمل في الصلاة أن المطلوب بأثر الصلاة المفروضة الذكر، وأما الاشتغال بالدعاء زيادةً على ذلك فقال: إنه بدعة لم يرد به عمل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن السلف الصالح؛ ولذا قال القرافي: كره مالك وجماعة من العلماء لأئمة المساجد والجماعات الدعاء عقب الصلوات المكتوبة جهرًا للحاضرين، فيحصل للإمام بذلك نوع من العظمة بسبب نصب نفسه واسطةً بين الرب وعبده من تحصيل مصالحهم على يديه من الدعاء، ثم قال ابن ناجي: قلت: وقد استمر العمل على جوازه عندنا بإفريقية، وكان بعض من لقيته يصرح بأن الدعاء ورد الحث عليه من حيث الجملة، قال تعالى: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ { غافر: 60} لأنه عبادة، فلذا صار تابعًا فعله، بل الغالب على من ينصب نفسه لذلك التواضع والرقة، فلا يهمل أمره، بل يفعل، وما كل بدعةٍ ضلالة، بل هو من البدع الحسنة، والاجتماع فيه يورث الاجتهاد فيه والنشاط، وأقول: طلب ذلك في الاستسقاء ونحوه شاهد صدقٍ فيما ارتضاه ابن ناجي. انتهى.
والله أعلم.