عنوان الفتوى : الإسرار والجهر ببسملة الفاتحة في الصلاة كلاهما سنة
ما هو حكم قراءة البسملة (بسم الله الرحمن الرحيم) الآية رقم واحد من سورة الفاتحة في الصلاة الجهرية وما حكمة عدم الجهر بها لدى بعض الأئمة في المساجد بالرغم من أنها آية من فاتحة الكتاب وهي من القرآن الكريم بدليل وجودها في سورة النمل في الآية (إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ....) وهل تكون الصلاة الجهرية كاملة بدون قراءة بسم الله الرحمن الرحيم استنادا إلى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (لا صلاة بدون فاتحة الكتاب)؟أرجو الرد استنادا إلى حديث شريف وآيات القرآن الكريم وليس استنادا إلى المذاهب الأربعة.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد أجمع العلماء على أن البسملة بعض آية من سورة النمل، وأنها ليست آية في أول سورة براءة، وأجمعوا على صحة صلاة من جهر بها أو أسر، واختلفوا في كونها آية مستقلة في أول كل سورة، وفي كونها آية من أول الفاتحة دون غيرها من السور، وفي كونها كتبت للفصل بين السور لا أنها آية، والذي نراه صواباً في هذا هو قول من قال: إنها آية كاملة من أول سورة الفاتحة، وكل سور القرآن غير سورة براءة -التوبة- وهذا هو مذهب الشافعية رحمهم الله تعالى.
قال الإمام النووي رحمه الله في المجموع: أما حكم المسألة فمذهبنا أن بسم الله الرحمن الرحيم آية كاملة من أول الفاتحة بلا خلاف، وليست في أول براءة بإجماع المسلمين، وأما باقي السور غير الفاتحة وبراءة، ففي البسلمة في أول كل سورة منها ثلاثة أقوال حكاها الخراسانيون أصحها وأشهرها وهو الصواب أو الأصوب أنها آية كاملة..
وقال أيضاً: ولا خلاف عندنا أنها تجب قراءتها في أول الفاتحة، ولا تصح الصلاة إلا بها لأنها كباقي الفاتحة. وهذا هو الراجح.
وقال أيضاً: قد ذكرنا أن مذهبنا أن البسملة آية من أول الفاتحة بلا خلاف، فكذلك هي آية كاملة من أول كل سورة غير براءة على الصحيح في مذهبنا كما سبق، وبهذا قال خلائق لا يحصون من السلف.
قال الحافظ ابو عمر بن عبد البر: هذا قول ابن عباس وابن الزبير وطاوس وعطاء ومكحول وابن المنذر وطائفة.
واحتج أصحابنا بأن الصحابة رضي الله عنهم أجمعوا على إثباتها في المصحف في أوائل السور جميعاً سوى براءة بخط المصحف بخلاف الأعشار وتراجم السور، فإن العادة كتابتها بحمرة ونحوها، فلو لم تكن قرآناً لما استجازوا إثباتها بخط المصحف من غير تمييز، لأن ذلك يحمل على اعتقاد أنها قرآن فيكونون مغررين بالمسلمين، وحاملين لهم على اعتقاد ما ليس بقرآن، فهذا مما لا يجوز اعتقاده في الصحابة رضي الله عنهم. قال أصحابنا هذا أقوى أدلتنا في إثباتها. ا.هـ
ولهم أدلة أخرى تطول الفتوى بذكرها.
وعلى ضوء هذا الترجيح، فإنه يشرع الجهر عند قراءتها في الصلاة الجهرية عند قراءة سورة الفاتحة، وسائر السور ما عدا براءة، و يشرع الإسرار بها أيضاً في الصلوات الجهرية لثبوته في أحاديث صحيحة، وهو مذهب أكثر أهل العلم، فلا ينكر على من فعل أحد الأمرين اجتهاداً أو تقليداً، وهذا من السعة في الأحكام الشرعية إلا أن في سؤال الأخ السائل شيئاً يحتاج إلى تنبيه وتصحيح، وهو قوله: أرجو الرد استناداً إلى حديث شريف وآيات القرآن الكريم، وليس استناداً إلى المذاهب الأربعة. وهذا القول خطأ محض، وتجرؤ على المذاهب الأربعة وأصحابها وأتباعها الآخذين لها جيلاً عن جيل، وكأن هذه المذاهب لا تستند في أقوالها إلى الكتاب والسنة.
وهذا غير صحيح فالأئمة الأربعة ومن جاء بعدهم من علماء مذاهبهم لا يقولون قولاً إلا ولهم دليل على قولهم ذلك مع غض النظر عن صحة الدليل وسلامة الاستدلال.
وننبه الأخ السائل إلى أنه لا بد للمتأخر من سلف سبقوه في فهم الآية والحديث.
والله أعلم.