عنوان الفتوى : عموم علم الله تعالى بخلقه واطلاعه عليهم

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

كيف ينظر الله سبحانهُ وتعالى لعباده ويعلم من المبتلى فيهم ومن الصالح والضال ؟ أي كيف ينظر إلى الجميع وهو سبحانه لا يغفل عن هذا الإنسان وهو ينظر إلى ذاك وذاك ، وينظر أيضاً إلى جميع مخلوقاتهِ ولا يغفل عن بعضهم جل جلاله ؟

مدة قراءة الإجابة : 5 دقائق


الحمد لله
الله عز وجل خالق كل شيء ، وهو عليم بأحوال عباده وخلقه ، كما قال تعالى : ( أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) الملك/ 14 .
ومن أراد السلامة في دينه ، والصحة في اعتقاده ، فلينزه ربه سبحانه عن مماثلة خلقه ومشابهتهم في شيء من الصفات ، وألا يضرب لله الأمثال ، ويعلم أن لله المثل الأعلى ، وهو العزيز الحكيم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" يَجِبُ الْقَطْعُ بِأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ لَا فِي ذَاتِهِ وَلَا فِي صِفَاتِهِ وَلَا فِي أَفْعَالِهِ " انتهى من "مجموع الفتاوى" (13 /379) .

وكذلك: فليقطع الطمع عن معرفة كيفية صفات الرب ، فإن الخلق لا يحيطون به علما ، فعليه أن يؤمن بالصفة ، ويدع التفكر في كيفيتها ، فذلك ما لا سبيل إلى علمه ، وإنما علمه إلى الله تعالى .
قال الحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ عند تفسير قَوْلِهِ تَعَالَى ( ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ ) : " يَسْلكُ فِي هَذا المَقَامِ مَذْهَبَ السَّلَفِ الصَّالِحِ وَهُوَ إِمْرَارُهَا كَمَا جَاءَتْ مِنْ غَيْرِ تَكْييفٍ وَلاَ تَشْبيِهٍ وَلاَ تَعْطِيلٍ ، وَالظَّاهِرُ المُتَبَادِرُ إلَى أَذْهَانِ المُشَبِّهِينَ مَنْفِيٌّ عَنِ اللهِ ، فَإِنَّ اللهَ لا يُشْبِهُهُ شَيءٌ من خلقه ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ ) ، بل الأمرُ كما قال الأئمّة ، منهم نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ الخُزَاعِيُّ شَيْخُ البُخَارِيِّ : ( مَنْ شَبَّهَ اللهُ بِخَلْقِهِ كَفَرَ ، وَمَن جَحَدَ مَا وَصَفَ اللهُ بِهِ نَفْسَهُ فَقَدْ كَفَرَ ، وَلَيْسَ فِيمَا وَصَفَ اللهُ بِهِ نَفْسَهُ وَلاَ رَسُولهُ تَشْبِيهٌ ، فَمَنْ أَثْبَتَ مَا وَرَدَتْ بِهِ الآثَارُ الصَّرِيحَةُ وَالأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ عَلَى الوَجْهِ الذِي يَلِيقُ بِجَلاَلِهِ ، وَنَفَى عَنِ اللهِ النَّقَائِصَ فَقَدْ سَلَكَ سَبيلَ الهُدَى " .
انتهى مختصرا من "تفسير ابن كثير" (3/426-427) .
"وَلَمَّا سُئِلَ الإمام مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقِيلَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) كَيْفَ اسْتَوَى؟ فَأَطْرَقَ مَالِكٌ وَعَلَاهُ الرُّحَضَاءُ - يَعْنِي الْعَرَقَ - وَانْتَظَرَ الْقَوْمُ مَا يَجِيءُ مِنْهُ فِيهِ ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ إلَى السَّائِلِ وَقَالَ: " الِاسْتِوَاءُ غَيْرُ مَجْهُولٍ ، وَالْكَيْفُ غَيْرُ مَعْقُولٍ ، وَالْإِيمَانُ بِهِ وَاجِبٌ ، وَالسُّؤَالُ عَنْهُ بِدْعَةٌ ".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
"وَهَذَا الْجَوَابُ مِنْ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الِاسْتِوَاءِ شَافٍ كَافٍ فِي جَمِيعِ الصِّفَاتِ ، مِثْلَ النُّزُولِ وَالْمَجِيءِ وَالْيَدِ وَالْوَجْهِ وَغَيْرِهَا ، فَيُقَالُ فِي مِثْلِ النُّزُولِ: النُّزُولُ مَعْلُومٌ ، وَالْكَيْفُ مَجْهُولٌ ، وَالْإِيمَانُ بِهِ وَاجِبٌ ، وَالسُّؤَالُ عَنْهُ بِدْعَةٌ ، وَهَكَذَا يُقَالُ فِي سَائِرِ الصِّفَاتِ إذْ هِيَ بِمَثَابَةِ الِاسْتِوَاءِ الْوَارِدِ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ " انتهى من "مجموع الفتاوى" (4/4) .
فلا يقال : كيف ينظر الله إلى عباده ؟ بل يقال : نظر الله إلى عباده معلوم ، وكيفية ذلك مجهولة ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة .
فالله تعالى مطلع على جميع خلقه ، لا تخفى عليه منهم خافية ، فيسمع ضجيج الأصوات باختلاف اللغات على تفنن الحاجات في أقطار الأرض والسموات ، فلا تشتبه عليه ولا تختلط عليه ولا تلتبس عليه، ولا يغلطه سمع عن سمع ، ويرى دبيب النملة السوداء ، على الصخرة الصماء ، في الليلة الظلماء ، ويعلم ما تسره القلوب وأخفى منه، وهو ما لم يخطر لها ، أنه سيخطر لها .
فهذا القدر من العلم بالصفة يكفينا ، ولا نبحث عما وراء ذلك ، ثم علينا بعد ذلك أن نعبد الله تعالى ونستحضر اطلاعه علينا وعلمه بأحوالنا في كل لحظة .
نسأل الله تعالى أن يوفقنا لكل خير .
وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم : (178915) .

والله أعلم .