عنوان الفتوى : عموم علم الله تعالى بخلقه واطلاعه عليهم
كيف ينظر الله سبحانهُ وتعالى لعباده ويعلم من المبتلى فيهم ومن الصالح والضال ؟ أي كيف ينظر إلى الجميع وهو سبحانه لا يغفل عن هذا الإنسان وهو ينظر إلى ذاك وذاك ، وينظر أيضاً إلى جميع مخلوقاتهِ ولا يغفل عن بعضهم جل جلاله ؟
الحمد لله
الله عز وجل خالق كل شيء ، وهو عليم بأحوال عباده وخلقه ، كما قال تعالى : ( أَلَا
يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) الملك/ 14 .
ومن أراد السلامة في دينه ، والصحة في اعتقاده ، فلينزه ربه سبحانه عن مماثلة خلقه
ومشابهتهم في شيء من الصفات ، وألا يضرب لله الأمثال ، ويعلم أن لله المثل الأعلى ،
وهو العزيز الحكيم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" يَجِبُ الْقَطْعُ بِأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ لَا فِي ذَاتِهِ
وَلَا فِي صِفَاتِهِ وَلَا فِي أَفْعَالِهِ " انتهى من "مجموع الفتاوى" (13 /379) .
وكذلك: فليقطع الطمع عن
معرفة كيفية صفات الرب ، فإن الخلق لا يحيطون به علما ، فعليه أن يؤمن بالصفة ،
ويدع التفكر في كيفيتها ، فذلك ما لا سبيل إلى علمه ، وإنما علمه إلى الله تعالى .
قال الحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ عند تفسير قَوْلِهِ تَعَالَى ( ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى
العَرْشِ ) : " يَسْلكُ فِي هَذا المَقَامِ مَذْهَبَ السَّلَفِ الصَّالِحِ وَهُوَ
إِمْرَارُهَا كَمَا جَاءَتْ مِنْ غَيْرِ تَكْييفٍ وَلاَ تَشْبيِهٍ وَلاَ تَعْطِيلٍ
، وَالظَّاهِرُ المُتَبَادِرُ إلَى أَذْهَانِ المُشَبِّهِينَ مَنْفِيٌّ عَنِ اللهِ
، فَإِنَّ اللهَ لا يُشْبِهُهُ شَيءٌ من خلقه ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ ) ، بل
الأمرُ كما قال الأئمّة ، منهم نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ الخُزَاعِيُّ شَيْخُ
البُخَارِيِّ : ( مَنْ شَبَّهَ اللهُ بِخَلْقِهِ كَفَرَ ، وَمَن جَحَدَ مَا وَصَفَ
اللهُ بِهِ نَفْسَهُ فَقَدْ كَفَرَ ، وَلَيْسَ فِيمَا وَصَفَ اللهُ بِهِ نَفْسَهُ
وَلاَ رَسُولهُ تَشْبِيهٌ ، فَمَنْ أَثْبَتَ مَا وَرَدَتْ بِهِ الآثَارُ
الصَّرِيحَةُ وَالأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ عَلَى الوَجْهِ الذِي يَلِيقُ بِجَلاَلِهِ
، وَنَفَى عَنِ اللهِ النَّقَائِصَ فَقَدْ سَلَكَ سَبيلَ الهُدَى " .
انتهى مختصرا من "تفسير ابن كثير" (3/426-427) .
"وَلَمَّا سُئِلَ الإمام مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَقِيلَ
لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) كَيْفَ
اسْتَوَى؟ فَأَطْرَقَ مَالِكٌ وَعَلَاهُ الرُّحَضَاءُ - يَعْنِي الْعَرَقَ -
وَانْتَظَرَ الْقَوْمُ مَا يَجِيءُ مِنْهُ فِيهِ ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ إلَى
السَّائِلِ وَقَالَ: " الِاسْتِوَاءُ غَيْرُ مَجْهُولٍ ، وَالْكَيْفُ غَيْرُ
مَعْقُولٍ ، وَالْإِيمَانُ بِهِ وَاجِبٌ ، وَالسُّؤَالُ عَنْهُ بِدْعَةٌ ".
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
"وَهَذَا الْجَوَابُ مِنْ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الِاسْتِوَاءِ شَافٍ كَافٍ
فِي جَمِيعِ الصِّفَاتِ ، مِثْلَ النُّزُولِ وَالْمَجِيءِ وَالْيَدِ وَالْوَجْهِ
وَغَيْرِهَا ، فَيُقَالُ فِي مِثْلِ النُّزُولِ: النُّزُولُ مَعْلُومٌ ،
وَالْكَيْفُ مَجْهُولٌ ، وَالْإِيمَانُ بِهِ وَاجِبٌ ، وَالسُّؤَالُ عَنْهُ
بِدْعَةٌ ، وَهَكَذَا يُقَالُ فِي سَائِرِ الصِّفَاتِ إذْ هِيَ بِمَثَابَةِ
الِاسْتِوَاءِ الْوَارِدِ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ " انتهى من "مجموع الفتاوى"
(4/4) .
فلا يقال : كيف ينظر الله إلى عباده ؟ بل يقال : نظر الله إلى عباده معلوم ، وكيفية
ذلك مجهولة ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة .
فالله تعالى مطلع على جميع خلقه ، لا تخفى عليه منهم خافية ، فيسمع ضجيج الأصوات
باختلاف اللغات على تفنن الحاجات في أقطار الأرض والسموات ، فلا تشتبه عليه ولا
تختلط عليه ولا تلتبس عليه، ولا يغلطه سمع عن سمع ، ويرى دبيب النملة السوداء ، على
الصخرة الصماء ، في الليلة الظلماء ، ويعلم ما تسره القلوب وأخفى منه، وهو ما لم
يخطر لها ، أنه سيخطر لها .
فهذا القدر من العلم بالصفة يكفينا ، ولا نبحث عما وراء ذلك ، ثم علينا بعد ذلك أن
نعبد الله تعالى ونستحضر اطلاعه علينا وعلمه بأحوالنا في كل لحظة .
نسأل الله تعالى أن يوفقنا لكل خير .
وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم : (178915)
.
والله أعلم .
أسئلة متعلقة أخري |
---|
عموم علم الله تعالى بخلقه واطلاعه عليهم |