عنوان الفتوى : كيف تقع مخالفة اليهود في الأيام التي يعظمونها ؟
كيف تقع مخالفة اليهود في الأيام التي يعظمونها ؟ هل تقع بالصيام ، لأن الصيام يقتضي عدم العيد ؟ أم تقع بالفطر وعدم تقصّد الصيام ؟ فقد جاء في المعنى الأول حديث أم سلمة : " كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ يَوْمَ السَّبْتِ وَيَوْمَ الْأَحَدِ أَكْثَرَ مِمَّا يَصُومُ مِنَ الْأَيَّامِ، وَيَقُولُ: ( إِنَّهُمَا يَوْمَا عِيدِ الْمُشْرِكِين َ، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أُخَالِفَهُمْ ) . وقد جاء في المعنى الثاني : تعليل العلماء لنهي النبي صلى الله عليه سلم عن صيام السبت ؟
الحمد لله
المعلوم من دين الإسلام ، والذي تواترت به نصوص الكتاب والسنة : عدم جواز متابعة
أمم الكفر فيما تميزوا به ، واختصوا به من الأعمال والاعتقادات والأقوال والهيئات .
ومن المعلوم أن عدم المتابعة يتحقق بمجرد ترك اتباعهم ، وعدم فعل ما تميزوا به .
ومن ذلك أعيادهم ؛ فمخالفتهم ، وترك اتباعهم فيها ، يحصل بمجرد ترك تعظيم تلك
الأعياد ، وعدم الاحتفال بها ؛ فإذا حقق المسلم هذا ، وأهمل الاحتفال بهذه الأيام ،
أو تخصيصها بشيء دون سواها من الأيام : فإنه يكون ـ حينئذ ـ قد حقق مخالفتهم .
كما في حديث أَنَسٍ ، قَالَ : " قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا ، فَقَالَ : ( مَا
هَذَانِ الْيَوْمَانِ ؟ ) ، قَالُوا : كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي
الْجَاهِلِيَّةِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْأَضْحَى ،
وَيَوْمَ الْفِطْرِ )" رواه أبوداود (1134) ، وصححه الألباني في " السلسلة الصحيحة
" (2021).
فالنبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بترك التعييد فيهما ، ولم يأمرهم بعمل زائد ،
كالصيام ونحوه ، لتحقيق المخالفة .
قال الشاطبي رحمه الله تعالى :
" والضرب الثاني: أن يسكت الشارع عن الحكم الخاص ، أو يترك أمرا ما من الأمور ،
وموجبه المُقْتَضِي له قائم ، وسببه في زمان الوحي ، وفيما بعده : موجود ثابت ، إلا
أنه لم يحدَّد فيه أمر زائد على ما كان في ذلك الوقت .
فالسكوت في هذا الضرب : كالنص على أن القصد الشرعي فيه أن لا يزاد فيه على ما كان
من الحكم العام في أمثاله ، ولا ينقص منه ؛ لأنه لما كان المعنى الموجِب لشرعيّة
الحكم العملي الخاص موجودا ، ثم لم يُشرع ، ولا نبه على استنباطه ؛ كان صريحا في أن
الزائد على ما ثبت هنالك بدعة زائدة ، ومخالفة لقصد الشارع ؛ إذ فهم من قصده الوقوف
عند ما حد هنالك ، لا الزيادة عليه ، ولا النقصان منه " انتهى من " الاعتصام " (2 /
282) .
وحاصل ذلك : أن تعمّد الصيام
لتأكيد مخالفتهم ، هو عمل غير مشروع ، وقد نص على كراهته عدد من أهل العلم ؛ ولأن
في الاهتمام بها ، وانتظار قدومها في كل سنة لصيامها : نوعًا من التعظيم لها .
قال ابن القيم رحمه الله تعالى :
" فإن قيل : فما تقولون في صوم يوم النيروز والمهرجان ونحوهما من أعياد المشركين ؟
قيل : قد كرهه كثير من العلماء ، وأكثر أصحاب أحمد على الكراهة .
قال أحمد في رواية ابنه عبد الله : حدثنا وكيع عن سفيان عن رجل عن أنس والحسن :
أنهما كرها صوم يوم النيروز والمهرجان ، قال عبد الله : قال أبي : الرجل أبان بن
أبي عياش .
فلما أجاب أحمد بهذا الجواب لمن سأله عن صيام هذين اليومين ، دل ذلك على أنه اختاره
.
وهذه إحدى الطريقتين لأصحابه في مثل ذلك .
وقيل : لا يكون هذا اختيارا له ، ولا ينسب إليه القول الذي حكاه ، وأكثر الأصحاب
على الكراهة ، وعللوا ذلك بأنهما يومان يعظمهما الكفار ، فيكون تخصيصهما بالصيام
دون غيرهما ، موافقة لهم في تعظيمهما ، فكره كيوم السبت . قال صاحب المغني : وعلى
قياس هذا : كل عيد للكفار ، أو يوم يفردونه بالتعظيم " انتهى من " حاشية ابن القيم
مع عون المعبود " (7 / 52) .
ثانيا :
أمّا حديث كُرَيْبٍ مولى ابن عباس ، أَنَّهُ سَمِعَ أُمَّ سَلَمَةَ تَقُولُ : "
كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ يَوْمَ السَّبْتِ
وَيَوْمَ الْأَحَدِ أَكْثَرَ مِمَّا يَصُومُ مِنَ الْأَيَّام ِ، وَيَقُول ُ: (
إِنَّهُمَا يَوْمَا عِيدِ الْمُشْرِكِينَ ، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أُخَالِفَهُمْ ) "
رواه أحمد في " المسند " (44 / 330 – 331) والحاكم في " المستدرك " 1/436 وقال :
إسناده صحيح ، ولم يتعقبه الذهبي .
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى في " زاد المعاد " (2 / 74 – 75) : وفي صحة هذا
الحديث نظر.
وضعفه الألباني في " سلسلة الأحاديث الضعيفة " (3 / 219) .
فيلاحظ عليه الآتي :
1- الحديث مختلف في صحته ، كما هو معارض بحديث آخر اختلف في تصحيحه أهل العلم ؛ وهو
حديث : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( لَا تَصُومُوا
يَوْمَ السَّبْتِ إِلَّا فِي مَا افْتُرِضَ عَلَيْكُمْ ) رواه أبو داود (2421 ) ،
والترمذي (744) ، وابن ماجه (1726) .
ومع هذا الاختلاف الحاصل لا يبلغ أن يكون قاعدة مستمرة في كل عيد من أعياد الكفر .
2- على فرض القول بصحة الحديث ، فإنه لا يمكن تعدية معناه إلى جميع الأعياد الكفرية
؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان مجاورا لليهود في المدينة وللنصارى والمشركين
في جزيرة العرب ، ولا شك أنه كان لهم عدة من الأعياد والأيام التي يعظمونها في
السنة ، ولا يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم حرص على صيام يوم أعيادهم لإظهار
المخالفة لهم غير السبت والأحد .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" وكل ما لم يشرع من العبادات ، مع قيام المقتضي لفعله من غير مانع : فإنه من باب
المنهي عنه " انتهى من " اقتضاء الصراط المستقيم " (2 / 721) .
3- رأى بعض أهل العلم جمعا بين النصوص ؛ أن أعياد أهل الكفر التي بحساب العرب يستحب
مخالفتهم فيها بصيامها ، عملا بحديث أم سلمة ، أما أعيادهم التي بغير حساب العرب
فلا يستحب صيامها .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" وقد يقال: يكره صوم يوم النيروز والمهرجان ، ونحوهما من الأيام التي لا تعرف
بحساب العرب . بخلاف ما جاء في الحديث من يوم السبت والأحد ؛ لأنه إذا قصد صوم مثل
هذه الأيام العجمية ، أو الجاهلية ، كانت ذريعة إلى إقامة شعار هذه الأيام ، وإحياء
أمرها ، وإظهار حالها ، بخلاف السبت والأحد ، فإنهما من حساب المسلمين ، فليس في
صومهما مفسدة ، فيكون استحباب صوم أعيادهم المعروفة بالحساب العربي الإسلامي ، مع
كراهة الأعياد المعروفة بالحساب الجاهلي العجمي ، توفيقا بين الآثار . والله أعلم "
.
انتهى من " اقتضاء الصراط المستقيم " (2 / 580) .
وعلى هذا القول أيضا تبقى كراهة صوم أعياد الكفار ، ما عدا السبت والأحد ، لأن أعيادهم المشهورة والمعروفة اليوم : ليست بالحساب الإسلامي .
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |