عنوان الفتوى : شرح حديث ( مَنْ أَحْدَثَ فِي الْمَدِينَة حَدَثًا، أَوْ آوَى مُحْدِثًا، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ) .
أخت تسأل وتقول : إنها تعيش حاليا بالمدينة المنورة ، وتطلب أن توضحوا لها معنى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ".. من أحدث حدثا أو آوى محدثا ، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين..." ؟ تقول : إن لها أخا له زوجة ، وبنات متبرجات تبرجا فاضحا ، وليس عندهم اهتمام بدينهم ، وأمهن وواحدة من البنات لهما جفاء في الأجوبة ، وهذه الأخت معرضة أن يزورها أخوها وزوجته وبناته بالمدينة المنورة ، وهي تود ألا يدخلن بيتها ، ولا تريد قطع الرحم ولا تعرف كيف تتخلص منهن. سؤالها: هل يعد التبرج الفاضح ، والبعد عن دين الله من الإحداث ، أم المقصود بالإحداث شيء آخر؟
الحمد لله
روى البخاري (1870) ، ومسلم (1370) عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ( الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ
عَيْرٍ إِلَى ثَوْرٍ، فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا، أَوْ آوَى مُحْدِثًا،
فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ
اللهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا، وَلَا عَدْلًا ) .
قال النووي رحمه الله :
" قَالَ الْقَاضِي : مَعْنَاهُ : مَنْ أَتَى فِيهَا إِثْمًا أَوْ آوَى مَنْ أَتَاهُ
وَضَمَّهُ إِلَيْهِ وَحَمَاهُ .
وَقَوْلُهُ : ( عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ ... ) إِلَى آخِرِهِ . هَذَا وَعِيدٌ
شَدِيدٌ لِمَنِ ارْتَكَبَ هَذَا . قَالَ الْقَاضِي : وَاسْتَدَلُّوا بِهَذَا عَلَى
أَنَّ ذَلِكَ مِنَ الْكَبَائِرِ " انتهى من "شرح النووي على مسلم" (9/ 140) .
وقال ابن حجر الهيتمي رحمه الله :
" الْكَبِيرَةُ الْحَادِيَةُ وَالْخَمْسُونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةِ: إيوَاءُ
الْمُحْدِثِينَ، أَيْ مَنْعُهُمْ مِمَّنْ يُرِيدُ اسْتِيفَاءَ الْحَقِّ مِنْهُمْ،
وَالْمُرَادُ بِهِمْ مَنْ يَتَعَاطَى مَفْسَدَةً، يَلْزَمُهُ بِسَبَبِهَا أَمْرٌ
شَرْعِيٌّ " .
انتهى من "الزواجر" (2/ 204) .
وقال القاري رحمه الله :
" (مَنْ أَحْدَثَ) : أَيْ: أَظْهَرَ (فِيهَا) : أَيْ فِي الْمَدِينَةِ (حَدَثًا) :
أَيْ: مُنْكَرًا أَوْ بِدْعَةً ، وَهِيَ مَا خَالَفَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ (أَوْ
آوَى) : بِالْمَدِّ وَيُقْصَرُ (مُحْدِثًا) : أَيْ: مُبْتَدِعًا، وَقِيلَ: أَيْ:
جَانِيا بِأَنْ يَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَصْمِهِ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْهُ ،
وَيُرْوَى بِفَتْحِ الدَّالِ أَيْ أَمْرًا مُبْتَدَعًا وَإِيوَاؤُهُ الرِّضَاءُ
بِهِ وَالصَّبْرُ عَلَيْهِ " انتهى من "مرقاة المفاتيح" (5/ 1871) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" (من أحدث فيها) أي في المدينة حدثا أو آوى محدثا، والحدث هنا يراد به شيئان،
الأول: البدعة ، فمن ابتدع فيها بدعة فقد أحدث فيها ؛ لقول النبي صلى الله عليه
وسلم: ( كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) فمن أحدث فيها حدثا ، أي ابتدع في دين الله
ما لم يشرعه الله في المدينة : فعليه لعنه الله والملائكة والناس أجمعين ، يعني
استحق أن يلعنه كل لاعن والعياذ بالله ؛ لأن المدينة مدينة السنة مدينة النبوة ،
فكيف يحدث فيها حدث مضاد لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم ؟
والنوع الثاني من الحدث: الفتنة ، أن يحدث فيها فتنة بين المسلمين ، سواء أدت إلى
إراقة الدماء ، أو إلى ما دون ذلك من العداوة والبغضاء والتشتت ، فإن من أحدث هذا
الحدث فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين .
أما من أحدث معصية عصى الله فيها في المدينة ، فإنه لا ينطبق عليه هذا الوعيد، بل
يقال: إن السيئة في المدينة أعظم من السيئة فيما دونها، ولكن صاحبها لا يستحق اللعن
، الذي يستحق اللعن هو الذي أحدث فيها واحدا من أمرين : إما بدعة وإما فتنة " .
انتهى من "شرح رياض الصالحين" (6/ 213) .
وعلى هذا فليس المراد بـ(المحدث) من ارتكب أي معصية ، وإنما المراد من ابتدع بدعة في الدين ، أو أثار فتنة بين المسلمين ، أو أتى جريمة تستوجب حدا ، أو قصاصا ، أو دية ، أو آوى من وجب عليه حق لغيره وحماه .
وعلى هذا ؛ فالتبرج الذي تفعله المرأة في بلادها ، ثم تسافر إلى المدينة ، لا
ينطبق عليه الحديث .
ثم إن الغالب أن من تأتي إلى المدينة تأتي إليها محتشمة متحجبة ، على الأقل في
الطرقات ، وفي مجامع الناس ، كما هو مشاهد . واستقبال مثل هذه ، والترحيب بها في
البيت مع ما فيه من حسن الخلق وصلة الرحم ، يرجى أن يكون سببا لهدايتها ، أو على
الأقل التأثير فيها ، وذلك باغتنام الفرصة في نصحها ووعظها .
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |