عنوان الفتوى : هل يجوز السفر والإقامة في بلد يسبون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

ما حكم السفر للعمل أو الدراسة في بلاد الرافضة ؟

مدة قراءة الإجابة : 6 دقائق


الحمد لله
إذا كان المسافر عالماً ، أو طالب علم قوي الحجة ، واضطر للسفر إلى هناك من أجل العمل أو غيره ، وكان قوياً في الحق ، حريصاً على نشر السنة ومواجهة أهل البدع : فذلك لا بأس به ، وليصبر على ما يصيبه من أذى في سبيل الله ، فمن وصايا لقمان الحكيم لابنه التي خلدها القرآن وامتدحها : ( يَا بُنَيَّ أَقِمْ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ ) لقمان/17 .
أما إذا كان المسافر من عامة المسلمين : فلا يجوز له السفر إلى تلك البلاد ؛ فإنه سيستمع الكفر بأذنيه ولا يستطيع رده ولا إنكاره ، بل قد يرى نفسه مضطرا إلى إظهار موافقتهم – أو على الأقل إخفاء عقيدته التي يعتقد أنها الحق وما سواها باطل – حتى يأمن من شرهم .
وقد قال الله تعالى : ( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ ) النساء/140.
قال الشوكاني رحمه الله في تفسيره لهذه الآية الكريمة : "ومن عرف هذه الشريعة المطهرة حق معرفتها علم أن مجالسة أهل البدع المضلة فيها من المفسدة أضعاف أضعاف ما في مجالسة من يعصي الله بفعل شيء من المحرمات ، ولا سيما لمن كان غير راسخ القدم في علم الكتاب والسنة فإنه ربما يَنفق عليه من كذباتهم وهذيانهم ما هو من البطلان بأوضح مكان ، فينقدح في قلبه ما يصعب علاجه ، ويعسر دفعه ، فيعمل بذلك مدة عمره ، ويلقى الله به معتقدا أنه من الحق ، وهو والله من أبطل الباطل وأنكر المنكر " انتهى من "فتح القدير" (2/146).

وسيستمع المسلم المقيم في تلك البلاد إلى شبهات القوم وأباطيلهم وأكاذيبهم ، وهو ليس عنده من العلم الراسخ ما يرد به تلك الشبهات ، فيتأثر قلبه بها ولابد ، إما قبولاً لها ورضى بها ، وإما نوعاً من الشك والحيرة ، وإما نوعاً من القلق والمرض الذي يصيب القلب .
ولذلك كثر تحذير السلف والأئمة من الاستماع لأهل الباطل ، حفاظاً على صحة القلب وسلامته.
قال الإمام أبو عثمان الصابوني (ت:449هـ) في "عقيدة السلف وأصحاب الحديث" (ص298-299): " ويبغضون أهلَ البدع ، الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه ، ولا يحبونَهم ، ولا يصحبونَهم ، ولا يسمعون كلامهم ، ولا يجالسونَهم ، ولا يجادلونَهم في الدين ، ولا يناظرونَهم ، ويرون صون آذانِهم عن سماع أباطيلهم ، التي إذا مرت بالآذان ، وقرت في القلوب ضرَّت ، وجرَّت إليها من الوساوس والخطرات الفاسدة ما جَرَّت " انتهى .
وقالَ ابنُ قُدامة رحمه الله (ت:620هـ): " كَانَ السَّلَفُ يَنْهَوْنَ عَنْ مُجَالَسَةِ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالنَّظَرِ فِي كُتُبِهِمْ وَالاسْتِمَاعِ لِكَلامِهِمْ " انتهى من "الآداب الشرعية" لابن مفلح (1/251) .
وعَلَّقَ الذهبيُّ رحمه الله (ت:748هـ) على تحذير السلف من مجالسة أهل البدع بقوله : " أَكْثَرُ أَئِمَّةِ السَّلَفِ عَلَى هَذَا التَّحذِيرِ، يَرَوْنَ أَنَّ القُلُوْبَ ضَعِيْفَةٌ ، وَالشُّبَهُ خَطَّافَةٌ ".
انتهى من "سير أعلام النبلاء" (7/261) .
ومن أجل ذلك أفتى الأئمة بتحريم الإقامة في بلد يسب فيه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال الإمام مالك رحمه الله : "لا يحل لأحد أن يقيم بأرض يُسَبُّ فيها السلف" .
قال ابن العربي: " وهذا صحيح ، فإن المنكر إذا لم تقدر أن تغيره فَزُلْ عنه ، قال الله تعالى: ( وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) الأنعام/68" .
انتهى من " تفسير القرطبي " (5/350).
قال البهوتي : " وَتُكْرَهُ التِّجَارَةُ وَالسَّفَرُ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ وَبِلَادِ الْكُفْرِ مُطْلَقًا مَعَ الْأَمْنِ وَالْخَوْفِ ، وَإِلَى بِلَادِ الْخَوَارِجِ وَالْبُغَاةِ وَالرَّوَافِضِ ، وَالْبِدَعِ الْمُضِلَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْهِجْرَةَ مِنْهَا - أَنْ لَوْ كَانَ فِيهَا - مُسْتَحَبَّةٌ إنْ قَدَرَ عَلَى إظْهَارِ دِينِهِ ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْ إظْهَارِ دِينِهِ فِيهَا : فَحَرَامٌ سَفَرُهُ إلَيْهَا ؛ لِأَنَّهُ تَعَرَّضَ بِنَفْسِهِ إلَى الْمَعْصِيَةِ" انتهى من "كشاف القناع" (3/131).
والله أعلم .

أسئلة متعلقة أخري
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي...