عنوان الفتوى : هل يجوز السفر والإقامة في بلد يسبون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ؟
ما حكم السفر للعمل أو الدراسة في بلاد الرافضة ؟
الحمد لله
إذا كان المسافر عالماً ، أو طالب علم قوي الحجة ، واضطر للسفر إلى هناك من أجل
العمل أو غيره ، وكان قوياً في الحق ، حريصاً على نشر السنة ومواجهة أهل البدع :
فذلك لا بأس به ، وليصبر على ما يصيبه من أذى في سبيل الله ، فمن وصايا لقمان
الحكيم لابنه التي خلدها القرآن وامتدحها : ( يَا بُنَيَّ أَقِمْ الصَّلاةَ
وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ
إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ ) لقمان/17 .
أما إذا كان المسافر من عامة المسلمين : فلا يجوز له السفر إلى تلك البلاد ؛ فإنه
سيستمع الكفر بأذنيه ولا يستطيع رده ولا إنكاره ، بل قد يرى نفسه مضطرا إلى إظهار
موافقتهم – أو على الأقل إخفاء عقيدته التي يعتقد أنها الحق وما سواها باطل – حتى
يأمن من شرهم .
وقد قال الله تعالى : ( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا
سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا
مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ )
النساء/140.
قال الشوكاني رحمه الله في تفسيره لهذه الآية الكريمة : "ومن عرف هذه الشريعة
المطهرة حق معرفتها علم أن مجالسة أهل البدع المضلة فيها من المفسدة أضعاف أضعاف ما
في مجالسة من يعصي الله بفعل شيء من المحرمات ، ولا سيما لمن كان غير راسخ القدم في
علم الكتاب والسنة فإنه ربما يَنفق عليه من كذباتهم وهذيانهم ما هو من البطلان
بأوضح مكان ، فينقدح في قلبه ما يصعب علاجه ، ويعسر دفعه ، فيعمل بذلك مدة عمره ،
ويلقى الله به معتقدا أنه من الحق ، وهو والله من أبطل الباطل وأنكر المنكر " انتهى
من "فتح القدير" (2/146).
وسيستمع المسلم المقيم في تلك البلاد إلى شبهات القوم وأباطيلهم وأكاذيبهم ، وهو
ليس عنده من العلم الراسخ ما يرد به تلك الشبهات ، فيتأثر قلبه بها ولابد ، إما
قبولاً لها ورضى بها ، وإما نوعاً من الشك والحيرة ، وإما نوعاً من القلق والمرض
الذي يصيب القلب .
ولذلك كثر تحذير السلف والأئمة من الاستماع لأهل الباطل ، حفاظاً على صحة القلب
وسلامته.
قال الإمام أبو عثمان الصابوني (ت:449هـ) في "عقيدة السلف وأصحاب الحديث"
(ص298-299): " ويبغضون أهلَ البدع ، الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه ، ولا
يحبونَهم ، ولا يصحبونَهم ، ولا يسمعون كلامهم ، ولا يجالسونَهم ، ولا يجادلونَهم
في الدين ، ولا يناظرونَهم ، ويرون صون آذانِهم عن سماع أباطيلهم ، التي إذا مرت
بالآذان ، وقرت في القلوب ضرَّت ، وجرَّت إليها من الوساوس والخطرات الفاسدة ما
جَرَّت " انتهى .
وقالَ ابنُ قُدامة رحمه الله (ت:620هـ): " كَانَ السَّلَفُ يَنْهَوْنَ عَنْ
مُجَالَسَةِ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالنَّظَرِ فِي كُتُبِهِمْ وَالاسْتِمَاعِ
لِكَلامِهِمْ " انتهى من "الآداب الشرعية" لابن مفلح (1/251) .
وعَلَّقَ الذهبيُّ رحمه الله (ت:748هـ) على تحذير السلف من مجالسة أهل البدع بقوله
: " أَكْثَرُ أَئِمَّةِ السَّلَفِ عَلَى هَذَا التَّحذِيرِ، يَرَوْنَ أَنَّ
القُلُوْبَ ضَعِيْفَةٌ ، وَالشُّبَهُ خَطَّافَةٌ ".
انتهى من "سير أعلام النبلاء" (7/261) .
ومن أجل ذلك أفتى الأئمة بتحريم الإقامة في بلد يسب فيه أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم .
قال الإمام مالك رحمه الله : "لا يحل لأحد أن يقيم بأرض يُسَبُّ فيها السلف" .
قال ابن العربي: " وهذا صحيح ، فإن المنكر إذا لم تقدر أن تغيره فَزُلْ عنه ، قال
الله تعالى: ( وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ
عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ
الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)
الأنعام/68" .
انتهى من " تفسير القرطبي " (5/350).
قال البهوتي : " وَتُكْرَهُ التِّجَارَةُ وَالسَّفَرُ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ
وَبِلَادِ الْكُفْرِ مُطْلَقًا مَعَ الْأَمْنِ وَالْخَوْفِ ، وَإِلَى بِلَادِ
الْخَوَارِجِ وَالْبُغَاةِ وَالرَّوَافِضِ ، وَالْبِدَعِ الْمُضِلَّةِ وَنَحْوِ
ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْهِجْرَةَ مِنْهَا - أَنْ لَوْ كَانَ فِيهَا - مُسْتَحَبَّةٌ
إنْ قَدَرَ عَلَى إظْهَارِ دِينِهِ ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْ إظْهَارِ دِينِهِ فِيهَا :
فَحَرَامٌ سَفَرُهُ إلَيْهَا ؛ لِأَنَّهُ تَعَرَّضَ بِنَفْسِهِ إلَى الْمَعْصِيَةِ"
انتهى من "كشاف القناع" (3/131).
والله أعلم .
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |