عنوان الفتوى : سوء الظن.. بين الجواز والحرمة
أتمنى أن أجد الإجابة الشافية التي تشفي قلبي من الهم والحزن الذي أحمله. ذهبنا لمكة في رمضان، وفي داخل الحرم ذهبت لأعيد وضوئي من حنفيات زمزم، واعتزلت بزاوية لكي أتم وضوئي بعيدا عن الرجال والمارين. بعد أن أنهيت جاءت امرأة كبيرة في السن لمكاني. قلت: تريدين أن أساعدك وأسكب لك ماء للوضوء؟ رفضت وقالت: لا. ابتعدت عنها، ظلت تراقبني وأنا عند الحنفيات ولم تتوضأ، حتى تغافلت عنها وتلثمت، وقضت حاجتها؛ لأني أسمع صوت البول وهي تصب الماء قليلا للتمويه. خفت أن أسكت وأكسب إثم كل من وطئ على النجاسة والمكان طاهر. ذهبت وأبلغت عنها، وغيرت المرأة مكانها للوضوء للصلاة. جاءت المشرفة، وردت عليها، وحلفت بالله أنها لم تقض حاجتها. أحسست بالذنب، وشككت في ما رأيته بعد ما حلفت، مع أني قد بلغت، وكنت قد غلب على ظني أنها قضت حاجتها. أحسست بخوف أن أكون قد ظلمت المرأة، مع أني والله مجتهدة، وكثيرا ما تحصل حالات مشابهة، وسمعت أن الشيخ يقول من الضروري أن تبلغوا إذا رأيتم حالات مثل هذه. خفت أن أكون قد ظلمت المرأة، وتبت إلى الله، ودعوت الله أن يقبل توبتي، ودعوت للمرأة، ونويت أن أتصدق عنها إن شاء الله. هل أعتبر يا شيخ مخطئة أم ظالمة، مع أني لم أقصد الظلم فو الله إنني مجتهدة ولا أعلم هل هي صادقه بحلفها أم لا؟ وإن كان الجواب أني ظالمة ماذا أفعل يا شيخ كيف أكفر عن ذنبي أحس بحسرة من ذاك اليوم خوف أن أكون قد ظلمت المرأة؟ أفتوني، ولكم دعوة بظهر الغيب.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن مجرد الظن لا يبيح لأحد أن يتهم غيره ما لم توجد أمارة صحيحة، وسبب ظاهر.
قال القرطبي- رحمه الله- في تفسيره: وَالَّذِي يُمَيِّزُ الظُّنُونَ الَّتِي يَجِبُ اجْتِنَابُهَا عَمَّا سِوَاهَا، أَنَّ كُلَّ مَا لَمْ تُعْرَفْ لَهُ أَمَارَةٌ صَحِيحَةٌ، وَسَبَبٌ ظَاهِرٌ كان حراما واجب الاجتناب. انتهى.
فإذا كنتِ سمعت منها شيئا دلّك على التهمة، أو رأيت منها هيئة مريبة، فظنك حينئذ جائز، خصوصا وأن الأمر يتعلق بمصلحة شرعية، وهي ما ذكرته من تلويث المسجد بالنجاسة.
قال النووي- رحمه الله- في الأذكار: قد ذكرنا أنه يجبُ عليه إذا عرضَ له خاطرٌ بسوء الظن أن يقطعَه، وهذا إذا لم تدعُ إلى الفكر في ذلك مصلحةٌ شرعية، فإذا دعتْ جازَ الفكرُ في نقيصته، والتنقيب عنها كما في جرح الشهود، والرواة وغير ذلك. انتهى.
وإن كنت قد أخطأت في حقها، وكان ظنك مبنيا على مجرد الشك، فاستغفري الله من هذا الذنب، وتوبي إليه، وتحللي من هذه المرأة إن أمكنك الوصول إليها، وإلا فيحسن الدعاء لها في ظهر الغيب، ولا توجد كفارة معينة لذلك، وإنما يكفيك ما سبق، ونسأل الله أن يعفو عنا وعنك.
والله أعلم.