عنوان الفتوى : الكلام على صفة العظمة والعلو لله العلي العظيم .

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

هل صفة "العظيم" تعني العظمة بالحجم أم بالمنزلة ؟ ، وهل "الأعلى" تعني العلو بالمكان أم بالمنزلة ؟

مدة قراءة الإجابة : 8 دقائق


الحمد لله
أولا :
من أسماء الله الحسنى : " العظيم " ، والعظمة من صفات الله تعالى الذاتية ، ولا ريب أنها صفة مدح وكمال .
قال أبو القاسم الأصبهاني رحمه الله :
مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى الْعَظِيمُ: الْعَظَمَةُ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ لَا يَقُومُ لَهَا خَلْقٌ، وَاللَّهُ تَعَالَى خَلَقَ بَيْنَ الْخَلْقِ عَظَمَةً ، يُعَظِّمُ بِهَا بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعَظَّمُ لِمَالٍ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعَظَّمُ لِفَضْلٍ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعَظَّمُ لِعِلْمٍ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعَظَّمُ لِسُلْطَانٍ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعَظَّمُ لِجَاهٍ ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْخَلْقِ إِنَّمَا يُعَظَّمُ لِمَعْنًى دُونَ مَعْنًى، وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يُعَظَّمُ فِي الأَحْوَالِ كُلِّهَا، فَيَنْبَغِي لِمَنْ عَرَفَ حَقَّ عَظَمَةِ اللَّهِ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ يَكْرَهُهَا اللَّهُ ، وَلا يَرْتَكِبُ مَعْصِيَةً لَا يَرْضَاهَا اللَّهُ ، إِذْ هُوَ الْقَائِمُ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ " انتهى من "الحجة في بيان المحجة" (1/ 141-142) .
وقال أبو منصور الأزهري رحمه الله :
" وعَظَمة الله لَا تكيف وَلَا تُحَدّ وَلَا تمثَّل بِشَيْء ، وَيجب على الْعباد أَن يعلمُوا أَنه عَظِيم كَمَا وصف نفسَه ، وَفَوق ذَلِك ؛ بِلَا كيفيَّة ، وَلَا تَحْدِيد " .
انتهى من "تهذيب اللغة" (2/ 182) .
ثانيا :
صفة العظمة لله تعالى تعني العظمة في كل شيء ، بما يليق به سبحانه ، فهو عظيم في ربوبيته ، عظيم في ألوهيته ، عظيم في أفعاله ، عظيم في قدرته ، ولا يوجد وصف للعظمة مما يليق بجلاله سبحانه إلا وهو متصف به ، كما لا يوجد وصف من أوصاف الكمال التي تليق به سبحانه إلا كان أولى بها .
ومن تأمل خلق الله وملكوته وسعة سلطانه وجبروته وقهره لجميع خلقه أدرك عظمة الله تعالى وعزه .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله :
" قوله تعالى: (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ) فيه الدلالة على عظمة الكرسي وسعته، كما يدل ذلك على عظمة خالقه سبحانه وكمال قدرته " .
انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (8/ 284) .

ثالثا :
يجب على المسلم أن يتجنب الكلام عن الله تعالى بالألفاظ التي يعتاد الكلام بها إذا تكلم عن الناس في مدحهم والثناء عليهم مما لا يليق بالله ، فإن الله تعالى إنما يثنى عليه بما أثنى به على نفسه ، وأثنى به عليه رسوله صلى الله عليه وسلم ، لا نتعدى ذلك إلى ألفاظ وعبارات محدثة ، لا تليق بالرب تعالى .
ومن ذلك أن يطلق على الله تعالى قول ، أو وصف ، لم يرد به التوقيف ، ولم تأت به الآثار ؛ وإنما نقف على عبارات الشرع لا نتعداها .
ومن هذا الباب إطلاق أوصاف مثل " الجسم" ، "الحجم" ، ونحو ذلك .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" الْكَلَامُ فِي وَصْفِ اللَّهِ بِالْجِسْمِ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا : بِدْعَةً، لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا : إنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِجِسْمٍ، كَمَا لَمْ يَقُولُوا : إنَّ اللَّهَ جِسْمٌ، بَلْ مَنْ أَطْلَقَ أَحَدَ اللَّفْظَيْنِ اسْتَفْصَلَ عَمَّا أَرَادَ بِذَلِكَ، فَإِنَّ فِي لَفْظِ الْجِسْمِ بَيْنَ النَّاطِقِينَ بِهِ نِزَاعًا كَثِيرً، فَإِنْ أَرَادَ تَنْزِيهَهُ عَنْ مَعْنًى يَجِبُ تَنْزِيهُ عَنْهُ مِثْلَ أَنْ يُنَزِّهَهُ عَنْ مُمَاثَلَةِ الْمَخْلُوقَاتِ فَهَذَا حَقٌّ .
وَلَا رَيْبَ أَنَّ مَنْ جَعَلَ الرَّبَّ جِسْمًا مِنْ جِنْسِ الْمَخْلُوقَاتِ فَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْمُبْتَدَعَةِ ضَلَالًا ...
ومُثْبِتُ لَفْظِ الْجِسْمِ: إنْ أَرَادَ بِإِثْبَاتِهِ مَا جَاءَتْ بِهِ النُّصُوصُ صَوَّبْنَا مَعْنَاهُ ، وَمَنَعْنَاهُ عَنْ الْأَلْفَاظِ الْمُبْتَدَعَةِ الْمُجْمَلَةِ، وَإِنْ أَرَادَ بِلَفْظِ الْجِسْمِ مَا يَجِبُ تَنْزِيهُ الرَّبِّ عَنْهُ مِنْ مُمَاثَلَةِ الْمَخْلُوقَاتِ : رَدَدْنَا ذَلِكَ عَلَيْهِ وَبَيَّنَّا ضَلَالَهُ وَإِفْكَهُ " .
انتهى من "الفتاوى الكبرى" (6/ 547) .
رابعا :
وأما علو الرب تعالى :
فهو سبحانه مستو على عرشه ، وعرشه فوق سماواته ، فهو عال على خلقه علوا ذاتيا بنصوص الكتاب والسنة وإجماع الأمة ، كما بيناه في جواب السؤال رقم : (992) .
وقد بينا في جواب السؤال رقم : (124469) علو الله تعالى على عرشه وعلى جميع خلقه ، فهو سبحانه وتعالى فوق المخلوقات كلها، فوق السماء، وفوق الجنة، وفوق العرش، وأنه سبحانه وتعالى لا يحويه شيء من هذه المخلوقات، ولا يحتاج إلى شيء منها، بل هو خالقها والقيوم عليها .
فلله تعالى كل معاني العلو : علو الذات ، وعلو القهر ، وعلو القدر والشأن .
قال ابن القيم رحمه الله :
" مِنْ لَوَازِمِ اسْمِ الْعَلِيِّ: الْعُلُوَّ الْمُطْلَقَ بِكُلِّ اعْتِبَارٍ، فَلَهُ الْعُلُوُّ الْمُطْلَقُ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ: عُلُوُّ الْقَدْرِ، وَعُلُوُّ الْقَهْرِ، وَعُلُوُّ الذَّاتِ، فَمَنْ جَحَدَ عُلُوَّ الذَّاتِ فَقَدْ جَحَدَ لَوَازِمَ اسْمِهِ الْعَلِيِّ " انتهى من "مدارج السالكين" (1/ 55) .
وقال الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله :
" كُلُّ مَعَانِي الْعُلُوِّ ثَابِتَةٌ لَهُ "عُلُوَّ قَهْرٍ" فَلَا مُغَالِبَ لَهُ وَلَا مُنَازِعَ, بَلْ كُلُّ شَيْءٍ تَحْتَ سُلْطَانِ قَهْرِهِ (قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) سورة ص/ 65 . (لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) الزُّمَرِ/ 4 .
وَقَدْ جَمَعَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ عُلُوِّ الذَّاتِ وَالْقَهْرِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ) الْأَنْعَامِ/ 18 ، أَيْ: وَهُوَ الَّذِي قَهَرَ كُلَّ شَيْءٍ ، وَخَضَعَ لِجَلَالِهِ كُلُّ شَيْءٍ ، وَذَلَّ لِعَظَمَتِهِ وَكِبْرِيَائِهِ كُلُّ شَيْءٍ ، وَعَلَا بِذَاتِهِ عَلَى عَرْشِهِ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ.
"وَعُلُوَّ الشَّأْنِ" : فَتَعَالَى عَنْ جَمِيعِ النَّقَائِصِ وَالْعُيُوبِ الْمُنَافِيَةِ لِإِلَهِيَّتِهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ وَأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَصِفَاتِهِ الْعُلَى، تَعَالَى فِي أَحَدِيَّتِهِ عَنِ الشَّرِيكِ وَالظَّهِيرِ وَالْوَلِيِّ وَالنَّصِيرِ, وَتَعَالَى فِي عَظَمَتِهِ وَكِبْرِيَائِهِ وَجَبَرُوتِهِ عَنِ الشَّفِيعِ عِنْدَهُ بِدُونِ إِذْنِهِ وَالْمُجِيرِ، وَتَعَالَى فِي صَمَدِيَّتِهِ عَنِ الصَّاحِبَةِ وَالْوَلَدِ وَالْوَالِدِ وَالْكُفْؤِ وَالنَّظِيرِ، وَتَعَالَى فِي كَمَالِ حَيَاتِهِ وَقَيُّومِيَّتِهِ وَقُدْرَتِهِ عَنِ الْمَوْتِ وَالسِّنَةِ وَالنَّوْمِ وَالتَّعَبِ وَالْإِعْيَاءِ , وَتَعَالَى فِي كَمَالِ عِلْمِهِ عَنِ الْغَفْلَةِ وَالنِّسْيَانِ , وَعَنْ عُزُوبِ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ عَنْ عِلْمِهِ فِي الْأَرْضِ أَوْ فِي السَّمَاءِ, وَتَعَالَى فِي كَمَالِ حِكْمَتِهِ وَحَمْدِهِ عَنِ الْخَلْقِ عَبَثًا وَعَنْ تَرْكِ الْخَلْقِ سُدًى بِلَا أَمْرٍ وَلَا نَهْيٍ وَلَا بَعْثٍ وَلَا جَزَاءٍ , وَتَعَالَى فِي كَمَالِ عَدْلِهِ عن أَنْ يَظْلِمَ أَحَدًا مِثْقَالَ ذَرَّةٍ أَوْ أَنْ يَهْضِمَهُ شَيْئًا مِنْ حَسَنَاتِهِ , وَتَعَالَى فِي كَمَالِ غِنَاهُ عَنْ أَنْ يُطْعَمَ أَوْ يُرْزَقَ أَوْ أَنْ يَفْتَقِرَ إِلَى غَيْرِهِ فِي شَيْءٍ , وَتَعَالَى فِي صِفَاتِ كَمَالِهِ وَنُعُوتِ جَلَالِهِ عَنِ التَّعْطِيلِ وَالتَّمْثِيلِ " انتهى من "معارج القبول" (1/ 144) .

وانظر للفائدة جواب السؤال رقم : (183941) .