عنوان الفتوى : هل كل القراءات الشاذة كانت تعتبر قرآنًا في العصر الأول؟
سؤالي - أكرمكم الله – هو: هل كل القراءات الشاذة كانت تعتبر قرآنًا في العصر الأول؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن بعض القراءات الشاذة كانت قرآنًا يتلى في العهد النبوي, ثم نسخ بالعرضة الأخيرة, ومن ذلك بعض ما يروى عن ابن مسعود وأبي بن كعب مما كان يتلى سابقًا فنسخ في العرضة الأخيرة التي عرضها النبي صلى الله عليه وسلم مع جبريل عام وفاته صلى الله عليه وسلم، وهي التي أجمع عليها الصحابة، وجمعت في مصحف عثمان على يد لجنة من المتخصصين, وتحت إشراف كبار الصحابة, وعلى رأسهم الخليفة عثمان بن عفان, وزيد بن ثابت - رضي الله عنهما -.
قال الدكتور إبراهيم الجرمي في كتاب معجم علوم القرآن تحت عنوان مصاحف الصحابة قال: هي مصاحف فردية كتبها بعض الصحابة لأنفسهم، لم يتوخوا فيها مطابقتها لما ثبت في العرضة الأخيرة؛ ولذا خالفت هذه المصاحف الفردية المصحف الإمام الذي أجمعت عليه الأمة كلها، وخلاف هذه المصاحف الخاصة مع مصاحف عثمان بالزيادة أو بالنقص أو بالتقديم والتأخير، وأغلب الظن أن القراءات الشاذة غير المقروء بها مردها إلى هذه المصاحف الخاصة التي لم تقم جماعة المسلمين بضبطها وتحريرها، ولقد اتحدت كلمة المسلمين على عدم القراءة بما تضمنتها هذه المصاحف، بل إن المسلمين لم يعنوا بها فتيلًا، ولذا انمحت آثارها ودرست ولم يبق منها شيء اللهم إلا بعض مرويات في كتب المصاحف وبعض كتب الحديث والتفسير. اهـ.
وقال الدكتور محمد أبو شهبة في المدخل لدراسة القرآن الكريم في رد شبهة دعوى نقص القرآن بحجة ما في مصحف أبي من سورتي الخلع والحفد، قال: لا نسلّم أنهما من القرآن، وكتابة أبي بن كعب لهذا الدعاء في مصحفه لا يدل على القرآنية، ونحن نعلم أن مصاحف الصحابة لم تكن قاصرة على المتواتر، بل كان بعضها مشتملًا على الآحادي، والمنسوخ تلاوة، وعلى بعض تفسيرات وتأويلات وأدعية ومأثورات، ومن ذلك هذا الدعاء الذي يقنت به بعض الأئمة في الوتر، ووجوده في مصحف أبيّ لا يدل على أنه قرآن، كما أن القنوت به في الصلاة لا يدل على القرآنية، ولا يشك ذو نظر فاحص وذوق أدبي أن هذا الدعاء ليس عليه مسحة من سحر القرآن وبلاغته وإعجازه وإشراق؛، مما يلقي بهذه الشبهة في غيابة الإهمال. ... اهـ.
هذا, وقد قرر المحققون من أهل العلم تحريم القراءة بالشواذ, فقد قال النووي - رحمه الله تعالى - في المجموع: قال أصحابنا وغيرهم: لا تجوز القراءة في الصلاة ولا غيرها بالقراءة الشاذة؛ لأنها ليست قرآنًا, فإن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر ... وأما الشاذة فليست متواترة, فلو خالف وقرأ بالشاذة أنكر عليه قراءتها في الصلاة أو غيرها, وقد اتفق فقهاء بغداد على استتابة من قرأ بالشواذ, وقد ذكرت تفصيله في التبيان في آداب حملة القرآن، ونقل الإمام الحافظ أبو عمر بن عبد البر إجماع المسلمين على أنه لا تجوز القراءة بالشاذ، وأنه لا يصلى خلف من يقرأ بها, قال العلماء: فمن قرأ بالشاذ إن كان جاهلًا به أو بتحريمه عرف ذلك, فإن عاد إليه بعد ذلك أو كان عالمًا به عزر تعزيرًا بليغًا إلى أن ينتهي عن ذلك, ويجب على كل مكلف قادر على الإنكار أن ينكر عليه, فإن قرأ الفاتحة في الصلاة بالشاذة، فإن لم يكن فيها تغير معنى ولا زيادة حرف ولا نقصه صحت صلاته؛ وإلا فلا... اهـ.
والله أعلم.