عنوان الفتوى : هل يزوج أولاده أو يحج بالمال الذي معه ؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

رجل من الأردن لديه القدرة المادية والبدنية على الحج وفي نفس الوقت سيخرج محرما لأمه وزوجته , لكن لديه أولاد مراهقين ويخشى عليهم من الفتنة حال خروجه للحج ، فهل يعذر له أن يؤجل الحج للعام القادم حيث أنه سيقوم بتزويج بعضهم وتأمين البعض الآخر عند من يثق بهم من الوقوع في الفتن ؟

مدة قراءة الإجابة : 6 دقائق

الحمد لله.


أولاً :
الحج واجب على الفور لمَن استطاعَه وتوفَّرت فيه شروط وجوبه ، ولا يجوز له تأخيره من غير عُذر ، وينظر للفائدة إلى جواب سؤال رقم : (41702) .

ثانيًا :
يجب على الرجل أن يزوج ابنه ، إذا كان الابن محتاجًا للزواج وعاجزًا عن تكاليفه ، ويدخل هذا في النفقة الواجبة عند الحنابلة .

قال ابن قدامة رحمه الله في " المغني " (8/217) :
" قال أصحابنا – يعني : الحنابلة - : وَعَلَى الأَبِ إعْفَافُ ابْنِهِ ، إذَا كَانَتْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ ، وَكَانَ مُحْتَاجًا إلَى إعْفَافِهِ " انتهى .

وقال المرداوي رحمه الله في " الإنصاف " (9/404) :
" يجب على الرجل إعفاف مَن وجبت نفقته عليه ، من الآباء والأجداد والأبناء وأبنائهم وغيرهم , ممَّن تجب عليه نفقتهم ، وهذا الصحيح من المذهب (يعني مذهب الإمام أحمد) " انتهى .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" حاجة الإنسان إلى الزواج مُلِحَّة ، قد تكون في بعض الأحيان كحاجته إلى الأكل والشرب ، ولذلك قال أهل العلم : إنه يجب على مَن تلزمه نفقة شخص أن يزوِّجه إذا كان ماله يتسع لذلك ، فيجب على الأب أن يزوِّج ابنه إذا احتاج الابن للزواج ولم يكن عنده ما يتزوَّج به " انتهى من " مجموع فتاوى ابن عثيمين " (18/410) .

ثالثًا :
من الأعذار التي تُبيح تأخير الحَجّ : تزويج الرجل ابنَه إذا كان محتاجًا للزواج ويخشَى عليه من الوقوع في الفتنة والحرام ، والمال يكفي إمَّا للحج أو للزواج ، فالحَجُّ لا يجب على الرجل إلا إذا ملك مالاً فائضًا عن نفقته ونفقة مَن تلزمه نفقته ، وتزويج الولد من النفقة الواجبة كما تقدَّم .
ثم إنَّ إعفاف الرجلِ ولدَه وصيانته عن الوقوع في الحرام ، عند قوة الفتن والشهوات : أمرٌ لا يحتمل التأخير ، والحجّ يمكن تأخيره بعد تزويج الولد .

قال ابن قدامة رحمه الله في " المغني " (3/217) :
" وَيُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ هَذَا ( يعني : مال الحجّ ونفقته ) فَاضِلاً عَمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِنَفَقَةِ عِيَالِهِ الَّذِينَ تَلْزَمُهُ مَئُونَتُهُمْ ، فِي مُضِيِّهِ وَرُجُوعِهِ ؛ لأَنَّ النَّفَقَةَ مُتَعَلِّقَةٌ بِحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ ، وَهُمْ أَحْوَجُ ، وَحَقُّهُمْ آكَدُ ...
وَإِنْ احْتَاجَ إلَى النِّكَاحِ , وَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْعَنَتَ ( أي : الوقوع في الحرام ) ؛ قَدَّمَ التَّزْوِيجَ ( يعني : على الحج ) ؛ لأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ , وَلا غِنَى بِهِ عَنْهُ , فَهُوَ كَنَفَقَتِهِ .
وَإِنْ لَمْ يَخَفْ , قَدَّمَ الْحَجَّ ; لأَنَّ النِّكَاحَ تَطَوُّعٌ , فَلا يُقَدَّمُ عَلَى الْحَجَّ الْوَاجِبِ " انتهى .

وقال رحمه الله أيضا – كما سبق - : " قَالَ أَصْحَابُنَا : وَعَلَى الْأَبِ إعْفَافُ ابْنِهِ إذَا كَانَتْ عَلَيْهِ ، نَفَقَتُهُ ، وَكَانَ مُحْتَاجًا إلَى إعْفَافِهِ " انتهى من " المغني " (8/217) .

وقد سئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :
" أنا شاب أبلغ من العمر ثمانية عشر عاماً - طالب في المدرسة ثالث ثانوي - ، ولي والدة تبلغ من العمر حوالي ثمانية وخمسين عاماً ، والدي متوفى منذ خمسة عشر عاماً ، وتريد والدتي أن تذهب إلى الحج ، ولكنها تقول : إن ذلك لا يجوز وهو حرام حتى أتزوج ، أرجو من سماحتكم إفادتي إذ والدتي تفضل تزويجي قبل أدائها للحج ؟

فأجاب :
لا شك أن الحج فرض على كل إنسان ، استطاع السبيل إليه ؛ لقول الله عز وجل : ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا ) ، فإذا كنت تستطيع الحج من جهة المال ، وجب عليك الحج وإذا كانت تستطيع الحج هي من جهة المال ، وجب الحج ، وإن بدأت بالزواج ؛ لأنك بحاجة إلى الزواج فلا حرج ؛ لأن الزواج أيضًا فرض مع الشهوة ، والرغبة فيه ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ) ، وبكل حال لا بأس أن تقدم الحج على الزواج ....... " انتهى من " فتاوى نور على الدرب " لابن باز (20/42) .

فإذا كان الحال كما ذكرَ السائلُ في سؤاله ، أنَّه يخشى الفتنة على أولاده ، ويريد تزويجَ بعضهم بالمال الذي سيحج به ؛ فلا حرجَ عليه في هذه الحالة أن يؤخِّر الحج إلى أن ييسر الله له ؛ منعًا لهذه المفسدة العظيمة .

والله أعلم .