عنوان الفتوى : مسائل حول الكتابة في اللوح المحفوظ
كيف أجمع بين العلم الشرعي، ودراستي في الجامعة في قسم اللغة الإنجليزية؟ وهل يستوعب اللوح المحفوظ علم الله؟ فقد علمنا أن الله عز وجل قد كتب كل شيء، وهو حي لا يموت، فهو يكتب كل شيء حتى الآن أم اللوح المحفوظ خاص بأمور الدنيا فقط؟ وهل أفعال أولياء الله في الجنة، وأعداء الله في النار قد كتبها في اللوح المحفوظ قبل أن يوجد السماوات والأرض؟ شكرًا لكم.
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فكيفية الجمع بين الدراسة الشرعية، ودراسة العلوم الدنيوية يكون بتخصيص وقت لكل واحدة منهما على حسب ما يتيسر للطالب، مع الاستعانة بالله تعالى, فخصص وقتًا لدراسة العلوم الشرعية على أحد المشايخ الموثوقين في علمهم ودينهم, على أن لا يتعارض وقت الدراسة الشرعية ووقت دراسة العلوم الدنيوية، وبهذا يمكنك - إن شاء الله تعالى - الجمع بينهما.
وأما عن علم الله تعالى واللوح المحفوظ, فلا شك أن الله تعالى كتب في اللوح المحفوظ مقادير كل شيء من أمور الخلق كما في الحديث: إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ, قَالَ: رَبِّ وَمَاذَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ. رواه أبو داوود. وليس ما كُتب فيه مختصًا بأمور الدنيا بل حتى بالآخرة، ومن يدخل الجنة ومن يدخل النار كما جاء في الصحيحين من حديث علي مرفوعًا: مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ، مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إِلَّا كُتِبَ مَكَانُهَا مِنْ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَإِلَّا قَدْ كُتِبَ شَقِيَّةً أَوْ سَعِيدَةً.
ولا يصح القول بأن ما في اللوح المحفوظ استوعب أو أحاط بعلم الله تعالى كله؛ لأن هذا أولًا لم يرد به نص شرعي, وأيضًا إن اللوح المحفوظ كتب فيه مقادير الخلق الذين سيخلقهم, ما كان وما هو كائن وما سيكون.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فَإِنَّ مَذْهَبَ الْمُسْلِمِينَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كَتَبَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهَا ... اهــ.
وأما الأشياء التي لن تكون فإننا لا نعلم ما يدل على أنها كُتِبَت في اللوح المحفوظ، ولا شك أن علم الله تعالى شامل لها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: وَاَللَّهُ تَعَالَى يَعْلَمُ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ، وَمَا لَا يَكُونُ أَنْ لَوْ كَانَ كَيْفَ كَانَ يَكُونُ ... اهــ.
وننبهك إلى أن التعمق في مثل هذه الأمور مذموم, وقد يجر العبد إلى اعتقاد فاسد, وكثير من البدع نشأت بهذا، ويكفيك أن تؤمن بأن الله تعالى كتب في اللوح المحفوظ ما هو كائن إلى يوم القيامة.
قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله تعالى -: التعمق في السؤال فيما يتعلق بالعقيدة ليس هو من طريق السلف، بل كانوا يحذرون منه غاية التحذير؛ لأن أمور العقيدة أمورٌ غيبية يجب أن يتلقاها الإنسان بالتسليم، دون الخوض في كيفياتها وحقيقتها ... اهــ.
وقال أيضًا: بعض الطلبة الذين يقولون: إنا نريد أن نحرر مسائل العقيدة، فيسألون عن أشياء في العقيدة لم يسأل عنها الصحابة، ولا بينت في الكتاب والسنة، وهذا أيضًا مما يجب الحذر منه ... اهــ.
والله تعالى أعلم.