عنوان الفتوى : تزوجت دون أن توثق العقد وتسأل عن حكم الطلاق بسبب أن الدولة لا تعترف بالنكاح دون توثيق

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

ما هو حكم الطلاق بين شخصين مش من نفس الجنسية ، هل هو حرام أو حلال ، بعد ما صار تحسس وجماع ؟ والسبب عدم اعتراف الدولة بالعقد ، لعدم إدراجه بعد . وهل يعتبر عقد الكتاب باطل أو صحيح ؟ مع العلم أنه في محكمة ، وعند شيخ ، وبوجود شهود .

مدة قراءة الإجابة : 8 دقائق


الحمد لله
أولا:
عقد النكاح إذا تم مستوفيا أركانه ، من وجود الزوجين الخاليين من موانع النكاح , ووجود الإيجاب من ولي المرأة أو وكيله ، والقبول من الزوج أو وكيله , ثم استوفى أيضا شروط صحته من تعيين الزوجين بإشارة أو تسمية , ورضاهما , ووجود شاهدي العدل : فقد تم حينئذ النكاح ، وصارت المرأة زوجا شرعيا للرجل , ولو لم يحدث توثيق للعقد في المؤسسات الرسمية في الدولة .
وقد سبق بيان ذلك مفصلا في الفتوى رقم : (2127) .
لكن لا يصح أن يُهمل هذا التوثيق ، فبدونه تضيع الحقوق , وتحصل التهمة والريبة , ويسهل التدليس والخداع , خصوصا مع ضعف الدين ، وفساد الذمم والضمائر عند كثير من الناس .
فالتوثيق إذن ليس شرطا في صحة العقد ، وإنما هو لحفظ الحقوق وقطع النزاع .
ويراجع حكم توثيق العقد في هذه الأزمان في الفتوى رقم : (129851) .

وأنتِ - أيتها السائلة - قد ذكرت أن العقد قد تم بشهادة الشهود , فإن كان قد عقده وليُّك ، فهو عقدٌ صحيح , وإن كنتِ أنتِ من باشر العقد دون الولي ، فهذا العقد غير صحيح على مذهب جماهير أهل العلم ، فيحتاج إلى تجديده عن طريق الولي .

وعلى كلٍ ، فلا ينبغي أن تفارقي زوجك بسبب أن العقد لم يوثق ، بل الواجب عليكما أن تحفظا عقد الزواج الذي تم على وجه الصحة ، مع السعي في توثيقه بعد ذلك في الجهات الرسمية .
ويمكنكما – أيضا - أن تشرعا في إجراءات توثيقه , بعد تجديده إن كان قد تم دون ولي.

ثانيا :
أما بخصوص حكم الطلاق – في حال كان النكاح صحيحا - فبالنسبة للمرأة : لا يجوز لها طلب الطلاق من زوجها دون سبب معتبر شرعا ، كنقص دينه , وسوء خلقه , وظلمه لها , فإن طلبت الطلاق من غير سبب معتبر شرعا ، فقد أساءت وعرَّضت نفسها للوعيد الشديد , فقد أخرج الترمذي (1187)، وأبو داود (2226) ، وابن ماجه (2055) عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ ) والحديث صححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
وقوله : " من غير بأس " أي : من غير شدة تلجئها إلى سؤال المفارقة .

أما بالنسبة للرجل : فإن الطلاق في حقه له خمس حالات ، كل حالة لها حكم خاص بها , وقد سبق بيانها في الفتوى رقم  : (146949) .
وبينا في الفتوى المذكورة : أن الأصل في الطلاق الحظر , كما قال العلَّامة ابن تيمية - رحمه الله - في مجموع الفتاوى (32 / 293): " الْأَصْلَ فِي الطَّلَاقِ الْحَظْرُ؛ وَإِنَّمَا أُبِيحَ مِنْهُ قَدْرُ الْحَاجَةِ .. " انتهى .
وقال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله تعالى - : " والأصل في الطلاق أنه مكروه ، ولو قيل الأصل أنه محرم لم يبعد ، ويدل لهذا قول الله تبارك وتعالى في الذين يُؤْلُون من نسائهم ، قال : ( فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم * وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم ) وختم الآية بهذين الاسمين ( سميع عليم ) إذا عزموا الطلاق يُشعر بأن الله جل وعلا لا يحب هذا ، لأن الفيئة ـ وهي الرجوع ـ للمرأة بعد أن حلف أن لا يُجامعها ـ قال فيها : ( فإن الله غفور رحيم ) ، وهذا واضح في أن الله تعالى يحب أن يرجع هذا الذي آلى ، وأما من عزم الطلاق فإنه يُشعر بأن الله تعالى يكره ذلك لقوله : ( فإن الله سميع عليم ) ، ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( أبغض الحلال إلى الله الطلاق ) وهذا الحديث ليس بصحيح ، لكن معناه صحيح ، أن الله يكره الطلاق ، ولكنه لم يحرّمه على عباده للتوسعة لهم ، فإذا كان هناك سبب شرعي أو عادي للطلاق صار ذلك جائزاً ، وعلى حسب ما يؤدي إليه إبقاء المرأة ، إن كان بقاؤها يؤدي إلى محذور شرعي لا يتمكن رفعه إلا بعد طلاقها ، فإنه يطلقها كما لو كانت المرأة ناقصة الدين ، أو ناقصة العفة ، وعجز عن إصلاحها ، فهاهنا نقول : الأفضل أن تطلق ، أما بدون سبب شرعي أو سبب عادي ، فإن الأفضل ألا يُطلق بل إن الطلاق حينئذٍ مكروه" انتهى من " أسئلة الباب المفتوح لابن عثيمين " ص/113 , ويراجع في ذلك الفتوى رقم : (12902) .

ثالثا :
إذا كان هذا العقد قد تم دون ولي ، واحتاج الزوجان إلى الفراق ، فإن الزوج يطلقها أيضا , وإن حَكَمْنا بعدم صحة النكاح , لأنهما ( الزوجان ) يعتقدان صحتَه , وقد نص أهل العلم على إيقاع الطلاق عند الفراق فيما هو أوضح وأبين من هذا في الفساد , كالنكاح بغير ولي ولا شهود , جاء في " مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى " (5 / 129) : " وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فِي عَقْدِ الْمُتْعَةِ ، وَفِيمَا حَكَمْنَا بِهِ أَنَّهُ كَمُتْعَةٍ ، كَالتَّزْوِيجِ بِلَا وَلِيٍّ وَلَا شُهُودٍ ؛ وَجَبَ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يُطَلِّقَ ، فَإِنْ لَمْ يُطَلِّقْ ، فَسَخَ الْحَاكِمُ النِّكَاحَ ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّهُ نِكَاحٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ " انتهى.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في " الفتاوى الكبرى لابن تيمية " (3 / 84) : " وَيَقَعُ الطَّلَاقُ فِي النِّكَاحِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ ، إذَا اعْتَقَدَ صِحَّتَهُ " انتهى .

رابعا :
الذي ننصح به في هذه الحالة عدم إيقاع الطلاق , والأخذ بالأسباب اللازمة لتوثيق العقد في مؤسسات الدولة , فإن تعذر توثيقه ، وكان الزواج في هذه الحالة يمثل عبئا على الزوجين ، ويحول دون تحقيق مصالحهما كزوجين , فلا حرج حينئذ في إيقاع الطلاق .

خامسا :
لا تأثير لاختلاف الجنسية في أمر النكاح والطلاق , فما دام النكاح قد وُجِد , فمن أحكامه إمكانية حصول الطلاق ، سواء اختلف الزوجان في الجنسية أو اتفقا .

والله أعلم .